الحراك الشعبي في البحرين بين الواقع والتطلعات
إعداد: محمد عبدالله حسين
مقدمة
انطلقت ثورات الربيع العربي بقيادة شباب متحمس لم يجد بديل عن الفعل التغييري في ظل وضع مزري يعيشه الشباب العربي من بطالة ووضع اقتصادي واجتماعي بائس وجمود سياسي طال لفترة طويلة من الزمن وخطاب سياسي تقليدي أشبه بالروتين فلم يجد الشباب العربي إلا الخروج من مرحلة الاستماع والتلقين ليقود مرحلة جديدة ينزل فيها للشارع ويعبر عن شعوره بالظلم والاستبداد ويصرخ بأعلى صوته بأن آن أوان التغيير.
لم تكن البحرين وشباب البحرين في وضع يختلف عن بقية دول الربيع العربي خاصه وأن للبحرين تاريخ نضالي يمتد لأكثر من ثمانية عقود من الزمن. وكان المشهد العام في البحرين في الأعوام التى سبقت الحراك الشعبي في 14 فبراير 2011 ينتظر الرياح لتكشف عن الجمر المغطى بالرماد. إذ كان واضحاً لكل مراقب للوضع السياسي البحريني أن وعود الإصلاح لم تنفذ وتراجع الوضع من سيء لأسوء. إذ كانت بداية العهد الجديد لملك البحرين في عام 1999 وبعد العفو العام عن المعتقلين وعودة المبعدين ولقاءاته مع المعارضة والسماح بتأسيس الجمعيات السياسية ونقابات عمالية وغيرها من الخطوات الإيجابية والوعود التي بثت التفاؤل بالعهد الجديد بعد أن عاش شعب البحرين 27 عاماً تحت قانون تدابير أمن الدولة سيء الصيت الذي جمد أحكام الدستور وحول البحرين لدولة بوليسية عانى خلالها شعب البحرين الكثير من ضرب للحركات الوطنية المعارضة واعتقالات وتعذيب وغياب للحريات العامة والخاصة. وما كان إصدار ميثاق العمل الوطني إلا خطوة بثت التفاؤل في الشارع البحريني، حيث تضمن الميثاق مبادئ وأفكار الهدف منها إحداث تغيرات جذرية في النظام السياسي، وكان أهمها تحويل البحرين لمملكة دستورية على غرار الديمقراطيات العريقة وهو الوثيقة التي حازت على دعم المعارضة بتقديم بعض التنازلات حيث كانت الإيجابية سيدة الموقف، وعرض ميثاق العمل الوطني لاستفتاء شعبي في 14 فبراير 2001 وحاز على أغلبية شعبية بنسبة 98.4%. إلا إن الفرحة لم تكتمل. فبعد عام من التصويت على الميثاق صدر دستور مملكة البحرين بإرادة منفردة وحمل تناقضات جوهرية مع ميثاق العمل الوطني الذي بشر بملكية دستورية على غرار الديمقراطيات العريقة، فقد كانت التصريحات والوعود تطمئن بتأسيس برلمان كامل الصلاحيات ينفرد بالتشريع، إلا أن الصدمة كانت بتأسيس مجلس منتخب منقوص الصلاحيات يشاركه فيها مجلس معين، وجاء تقسيم الدوائر الانتخابية بطريقة سياسية ومناطقية وفئوية تخدم النظام السياسي وتحجم نسبة المعارضة في المجلس وتكرس للطائفية ولا تحمل مبدأ صوت لكل مواطن والتوزيع العادل للدوائر، حيث تحتوي دائرة انتخابية في البحرين على 13665 ناخباً يمثلهم نائب وأخرى تحتوي على 398 ناخباً يمثلهم نائب آخر، ما يعني أن نسبة تصويت مواطن في دائرة تساوي نسبة تصويت 34 مواطن في دائرة أخرى.
حيث تحتوي البحرين هذه الجزيرة الصغيرة على 40 دائرة انتخابية في بلد مساحته لا تتجاوز 770 كيلومترا مربعاً، ويبلغ عدد مواطنيه أكثر النصف مليون نسمه بقليل، تكفيه دائرة واحدة أو توزيع للدوائر يضمن صوت لكل مواطن دون تقسيمات طائفية. فكما هو بديهي يفترض إن النائب البرلماني يمثل جميع شعب البحرين في مختلف المناطق، وصلاحياته حسب الدستور يفترض أن تكون التشريع والمحاسبة وإن كانت منقوصة، إلا إنه غير مسؤول عن تقديم خدمات مناطقية فما هذه التقسيمة للدوائر الانتخابية إضافة لعمليات تجيير أصوات الناخبين إلا لتشكيل مجلس مفصل على رغبة النظام السياسي.
وما كان دستور 2002 إلا بداية تدرج لانحدار الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البحرين. وقد حاولت المعارضة في مؤتمراتها وندواتها وأدبياتها تصحيح الوضح دون وجود آذان صاغية، ودخلت المعارضة في حيرة بين خيارين أحلاهما مر أما مقاطعة البرلمان واستمرار المطالبة بتصحيح الوضع في ظل تجاهل السلطة أو محاولة المشاركة في البرلمان العاجز لاستخدامه كأداة لنشر الوعي في المجتمع بضرورة الإصلاح. وقد بدأت الحريات العامة والخاصة تتقلص عاماً بعد عام ورجعت عمليات قمع التحركات الشعبية والإفراط في العنف واعتقال الشباب والمعارضين حسب آراءهم السياسية وتوجيه التهم لهم بناءا على مواقفهم وآرائهم السياسية، وبدأ الفساد يتضخم حسب تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية الرسمية التي تصدر سنوياً، فيما تزداد الأزمات المعيشية للمواطن. فحسب إحصائيات البنك الدولي كانت نسبة البطالة في البحرين في الأعوام ما بين 2006 و 2010 للمرحلة العمرية ما بين 15-24 سنة هي 27.6% ونسبة البطالة بين جميع المواطنين حسب إحصاءات البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية في حدود 15% فيما تتحدث الإحصاءات الرسمية عن 3.7% وهو الأمر الذي يفقد الثقة في الإحصاءات الرسمية. وتأتي نسبة البطالة هذه في بلد يشكل العمال الوافدون 72% من سوق العمل والعمال البحرينيين 28% فقط حسب إحصائيات هيئة تنظيم سوق العمل في عام 2011، ما يعني إن سوق العمل قادر على أن يستوعب توظيف جميع البحرينيين وتوظيف أجانب أيضاً، ولا يوجد سبب مقنع لوجود بطالة في البحرين غير الفساد وعدم وجود تشريعات تنظم سوق العمل بشكل سليم وزيادة جشع أصحاب العمل لجلب العمالة الوافدة الرخيصة لاستغلالها وتوظيفها برواتب متدنية وظروف وشروط عمل سيئة. وما نسبة البطالة إلا جزء من فساد كبير في سوق العمل البحريني وظلم العامل البحريني من تدني للأجور وتمييز وانتهاك للحقوق وتوظيف البحريني في بعض المؤسسات فقط للحصول على تأشيرات لجلب الأجانب ومعاناتهم في هذه المؤسسات من تمييز بينهم وبين الأجانب وعدم توكيل مسؤوليات مهمة لهم وغيرها من الأسباب التى تزرع القهر في الشباب البحريني. إضافة لأزمة الإسكان حيث كانت قوائم طلبات الإسكان في عام 2011 تحمل أكثر من 50 ألف طلب إسكاني وسط انتظار المقدمين من 10-20 سنة للحصول على وحدة سكنية، ووسط تكدس طلبات الإسكان تعاني الأسر الجديدة والشباب المقبل على الزواج مشكلة حقيقية في وجود استقرار اجتماعي في ظل تدني الأجور وغلاء المعيشة وغيرها.
وقد كشفت لجنة التحقيق البرلمانية في أملاك الدولة العامة والخاصة في 2010 عن ملكيات عامة انتقلت إلى ملكيات خاصة عبر تصرفات غير قانونية أو هبات وتقدر مساحتها بأكثر من 65 كيلومتر مربع تصل قيمتها أكثر من 15 مليار دينار (الدولار = 378. دينار) وأوصت اللجنة بإعادة هذه الأراضي لكن دون جدوى في ظل برلمان عاجز، ولو رجعت هذه الأراضي وتم استثمارها بشكل صحيح لاستطاعت الدولة التغلب على أكبر المشاكل في هذا البلد حيث تكفي هذه الأراضي لتوفير بيوت لجميع الطلبات الإسكانية، وتكفي لبناء مشاريع اقتصادية توفر آلاف الوظائف وتنعش اقتصادنا وترفع من مستوى معيشة آلاف الأسر الفقيرة. وتأتي هذه المشاكل وسط قيام الدولة بالتجنيس السياسي بأعداد كبيرة فوق تحمل الدولة وبنيتها التحتية وهو الأمر الذي يضغط على كل الخدمات الحكومية من صحة وتعليم وإسكان وغيرها من خدمات في بلد لا يتحمل هذا العدد من السكان لصغر مساحته ومحدودية موارده وبنيته التحتية المتواضعة. لقد كان عدد المجنسين في عام 0201 حسب بعض الدراسات أكثر من 80 ألف شخص ما يعد عدد ضخم مقارنه بعدد المواطنين ومساحة البحرين وبنيتها التحتية، وما يزيد الغضب الشعبي حول قضية التجنيس هو الهدف من التجنيس وهو تغيير التركيبة الديموغرافية في البلد ولتجيير أصواتهم في الانتخابات النيابية وشراء الولاءات وغيرها من الأسباب، إضافة لتوفير الدولة للمجنسين ما لا توفره للمواطن من وظيفة وسكن مضمون له ولعائلته دون انتظار ولكن ذلك لا يعني أن المجنسين يعيشون في حياة مرفهة ومثالية وطبيعية في البحرين فالفساد والتمييز يعم على الجميع كل بحصته فسلمهم الوظيفي لا يمكن أن يتعدى رتب معينه خاصة وأن أغلبهم يعملون في قطاع الدفاع والأمن مما يشكل نوع من عدم الارتياح بينهم وبين المجتمع، رغم إن لشعب البحرين قدرة على التعايش مع مختلف الأجناس وله تاريخ طويل في ذلك، لكن طريقة التجنيس والتي لا تنطبق عليها شروط القانون والأهداف من وراء التجنيس خلقت وضع غير صحي في المجتمع البحريني الذي يرفض هذه العملية التي يتحمل مسؤوليتها النظام.
مرحلة 14 فبراير 2011:
كانت كل هذه الأسباب وغيرها التربة الرئيسية لانفجار الوضع في 14 فبراير 2011 بعد أن هبت رياح الربيع العربي إذ دعت مجموعات شبابية مجهولة على موقع التواصل الاجتماعي (الفيس بوك) عرفوا أنفسهم أنهم مجموعة من الشباب لا ينتمون لأي تنظيم سياسي أو ديني أو مذهبي أو طائفي لثورة سلمية تبدأ في 14 فبراير 2011 وتستمر حتى تحقيق المطالب، وكان أبرز المطالب إلغاء دستور ٢٠٠٢ والذي تم فرضه على الشعب بشكل غير قانوني، وحل مجلسي النواب والشورى.
- تكوين مجلس تأسيسي من خبراء وكوادر الطائفتين السنية والشيعية لصياغة دستور تعاقدي جديد ينص على أن :
- الشعب مصدر السلطات جميعاً.
- السلطة التشريعية تتمثل ببرلمان يُنتخب كليا من الشعب.
- السلطة التنفيذية تتمثل برئيس وزراء يُنتخب مباشرة من الشعب.
- البحرين مملكة دستورية، تحكمها أسرة آل خليفة و يمُنع على أفرادها تولي مناصب كبيرة في السلطات الثلاث: التشريعية، التنفيذية، القضائية.
- إطلاق جميع الأسرى السياسيين والحقوقيين وتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم التعذيب وملاحقة ومحاسبة المسؤولين قانونياً.
- ضمان حرية التعبير، والكف عن ملاحقة الصحفيين قضائياً، ومنع حبسهم في قضايا النشر، وعدم التضييق على الإنترنت وفتح المجال أمام التدوين، واستقلالية هيئة الإذاعة والتلفزيون، وعدم تدخل الأجهزة الأمنية في عمل المؤسسات الإعلامية.
- ضمان استقلالية القضاء وعدم تسيسه.
- تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم التجنيس السياسي وسحب الجنسية البحرينية لمن ثبت حصوله عليها بشكل غير قانوني أو بسبب دوافع سياسية.
وأهابوا بجميع جماهير الشعب البحريني من الرجال والنساء والشباب والشابات بالمشاركة في الاعتصامات بشكل سلمي وحضاري لضمان مستقبل مستقر ومشرق للجميع وللأجيال القادمة.
أتت هذه الدعوات في ظل متابعة الشارع البحريني لأحداث مصر وتونس واستجابت القدر لإرادتهم بهروب بن علي وسقوط مبارك وسط تطلعات وأحلام جزء كبير من الشباب البحريني بهبوب هذه الرياح في الجزيرة الصغيرة، وأنضم لصفحة الفيس بوك الآلاف وسط توقعات متباينة بين التفاؤل والتشاؤم من القادم المجهول من تعاطي الشعب البحريني مع هذه الدعوات. وقد أيدت بعض الجمعيات السياسية هذه الدعوات ودعت للمشاركة والتقيد بالسلمية، فيما فضلت جمعيات سياسية أخرى التريث والتزام الصمت.
وفي يوم الثالث عشر من فبراير عام 2011 اليوم الذي سبق يوم الانتفاضة الشعبية خرجت عدد من المظاهرات المحدودة في بعض قرى ومدن البحرين وجهت بالقمع من قبل رجال الأمن وخلفت إصابات طفيفة في صفوف المتظاهرين.
وفي يوم الرابع عشر من فبراير عام 2011 خرجت المظاهرات والتجمعات في عدد كبير من مناطق البحرين بدأت داخل أحياء المدن والقرى لتخرج على الطرق الرئيسية وشارك فيها الآلاف أغلبهم من الشباب قوبلوا بالقمع والعنف المفرط من قبل رجال الأمن مما أدى لإصابات في صفوف المتظاهرين نقل بعضهم على أثرها للمستشفى، ولكن ذلك لم يوقف إرادة وإصرار الشباب بل كانت أعداد المشاركين تتزايد بمرور الوقت، وفي الساعة الثامنة من مساء نفس اليوم سقط أول شهيد في حراك 14 فبراير وهو الشاب علي مشيمع نتيجة إطلاق رصاص الشوزن عليه من قبل رجال الأمن، والذي نقل على أثرها لمستشفى السلمانية لمحاولة إنقاذه لكن دون جدوى.
وفي صباح اليوم التالي خرجت مسيرة ضخمة لتشييع الشهيد من مستشفى السلمانية الطبي لتقابل بالعنف ويسقط نتيجته ثاني شهيد في الانتفاضة وهو الشهيد فاضل المتروك مما زاد الغضب الشعبي وضاعف عدد المشاركين في مظاهرة انطلقت باتجاه دوار مجلس التعاون الخليجي (دوار اللؤلؤة) في مقدمتهم المناضل إبراهيم شريف ليدخلوا الدوار ويبدأ التجمع فيه وتزايد عدد المشاركين من مختلف مناطق البحرين وكان للمرأة حضور كبير وبدأ نصب الخيام وعمل منصة ووضع شاشة عرض وأجهزة صوتية وبدأت الخطابات السياسية والهتافات الجماعية المطالبة بالإصلاح والمؤكدة على السلمية والوحدة الوطنية يهتفونها بحماس كبير يعبرون فيها عن غضبهم وأحلامهم وعمت النقاشات في كل بقاع الدوار حيث كان متنفس للحرية يرى المشاركون فيه إن هذا الميدان هو الأمل للتغيير وتحويل المستقبل للأجمل ويحملون عزيمة قوية للبقاء في هذا المكان حتى تحقيق المطالب. وكانت تعم الدوار أجواء اجتماعية والكل مستعد أن يقدم أي شيء لخدمة القضية ولخدمة الناس، إذ كان التكافل الاجتماعي يعم المكان وكانت المحاولات بإبتكار طرق جديدة لرفع المطالب مستمرة. إذ كان الدوار أشبه بكرنفال وطني يمكن التعبير فيه عن الآراء بحرية دون خوف وسط تنوع فكري وكانت الأحاديث الممنوعة حول الفساد والتطلعات تطول بحجم القهر والشوق لتحقيق الأحلام ففي هذا الدوار كانوا يتنفسون فيه الحرية.
وفي تلك الليلة ألقى الملك خطاباً بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وقد أعرب عن تعازيه عن حالتي الوفاة وأعلن عن تشكيل لجنة تحقيق وأكد على حق الشعب البحريني في ممارسة حرية الرأي والتعبير والتجمع وفقاً للقانون وفي الوقت ذاته أعلنت كتلة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية المعارضة تعليق مشاركتها في مجلس النواب، إذ كان عدد أعضائها الممثلين في المجلس 18 عضواً من أصل 40 عضواً وكانت الوفاق هي الجمعية المعارضة الوحيدة الممثلة داخل المجلس.
واستمر بقاء المحتجين في الدوار ليوم آخر وخرجت مسيرة في صباح هذا اليوم لتشييع الشهيد فاضل المتروك الشهيد الثاني في الانتفاضة ومظاهرات في مناطق أخرى مع بقاء المحتجين في الدوار بشكل سلمي، وتزايد أعداد المشاركين بمرور الوقت وسط خطابات ألقاها عدد من الشخصيات.
وفي فجر السابع عشر من فبراير وتحديداً في الساعة الثالثة صباحاً داهمت أعداد كبيرة من قوات الأمن وعدد مساند من قوة دفاع البحرين الدوار لإخلائه دون سابق إنذار في الإعلام ليستيقظ المحتجين على أصوات القنابل الصوتية وقاذفات القنابل المسيلة للدموع وملاحقة المحتجين بسلاح الشوزن حيث سقط على أثرها ثلاثة شهداء وخلفت عشرات الجرحى، وبعد إخلاء الدوار وفي محاولة رجوع المتظاهرين له سقط سادس شهيد في الانتفاضة نتيجة طلقة أصابته في رأسه وسقط عدد من الجرحى وأعلن الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين عن إضراب عام لوقف ممارسات العنف والقمع والتأكيد على حق الناس بحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي كما صدر بيان الائتلاف المشكل من سبع جمعيات سياسية (الوفاق، وعد، أمل، الوحدوي، القومي، الآخاء، المنبر) طالبوا فيه باستقالة مجلس الوزراء وتشكيل حكومة إنقاذ وطني للإشراف على صياغة الدستور ووقف انتهاكات حقوق الإنسان التي من شأنها أن تؤدي إلى حمامات دم لا تنتهي. استمرت المظاهرات ومحاولات الرجوع للدوار حتى اليوم الثاني الذي شهد زيادة في الغضب الشعبي نتيجة سقوط المزيد من الشهداء والجرحى مع ارتفاع وتيرة القمع والقوة المفرطة. وفي أثناء محاولات الرجوع للدوار وتحديداً عند نقطة وقوف وحدات قوة الدفاع الذي كان الدوار تحت سيطرته بمعاونه رجال الأمن سقط الشهيد السابع في الانتفاضة نتيجة رصاصة أصابته في الرأس.
في نفس اليوم أجرى ممثلي ولي العهد اتصالات بالمعارضة لمحاولة تهدئة الأوضاع وترتيب لقاءات. وأجرى ولي العهد مقابلة تلفزيونية غير مرتب لها على تلفزيون البحرين أكد فيها على ما يلي:
- تقدم بتعازيه لأسر الضحايا الذين فقدوا حياتهم خلال المواجهات في الأيام السابقة.
- أن الأوان قد حان لضبط النفس والهدوء بالنسبة لأفراد القوات المسلحة والشرطة والمواطنين.
- أكد على اهتمامه بكرامة المواطنين البحرينيين وضرورة اتخاذ خطوات فورية لإعادة بناء الثقة بين المواطنين لتجنب الانزلاق للفوضى.
- وأعرب عن اعتقاده أن وتيرة الإصلاحات في البحرين كانت بطيئة، وأن هذا هو السبب في أحداث الأيام السابقة.
- وأن الهدوء والحوار هما أفضل وسيلة لإيجاد حل للأزمة الحالية، وهو ما يتطلب بداية فترة من الهدوء فوراً.
- أن العديد من البلدان انزلقت إلى حرب أهلية لأن المعتدلين في تلك البلدان لم يقوموا بدورهم في حماية الاستقرار والتماسك الاجتماعي، وأن” اليوم يتم تقسيم البحرين”، وهو ما يجب معالجته على الفور، حيث أنه من غير المقبول أن يدخل البحرينيون في مواجهات مع بعضهم البعض.
- جميع المشاكل التي تواجهها البحرين هي محصلة سنوات عديدة ولا يمكن حلها بين عشية وضحاها، لذا يتعين على جميع البحرينيين التوحد والدخول في حوار فوري.
وفي اليوم التالي وبين محاولات الرجوع لدوار والقمع صدرت أوامر إلى وحدات قوة الدفاع والداخلية بالانسحاب وكانت هذه لحظة تاريخية تعد انتصاراً للشباب الذي سطر ملحمة في الصمود والإصرار والتضحية تمثل في إجبار الحكومة على تغيير سلوكها. وعمت الأجواء الاحتفالية دوار اللؤلؤة الذي شارك فيه قطاع واسع من شعب البحرين من مختلف الانتماءات السياسية والايدلوجية وحضور كبير للمرأة. وفي وقت لاحق فوض الملك ولي العهد لرئاسة الحوار الوطني الذي كان على تواصل مع المعارضة. واستمر التصعيد في الاحتجاجات بشكل سلمي لأيام للضغط على السلطة لتنفيذ المطالب حيث تنوعت طرق الاحتجاج كان منها مسيرات جماهيرية كان بعضها سيراً وأخرى بالدراجات النارية والمراكب البحرية والشاحنات بمشاركة قطاعات مختلفة من المجتمع البحريني من محامين وأدباء وكتاب ورياضيين وعمال وفنانين وأطباء وصحفيين ومعلمين وطلبة وعسكريين تضامناً مع المحتجين.
وتنوعت أساليب الضغط، ففي الحادي والعشرين من فبراير حدثت إضرابات واسعه من قبل العاملين في القطاع العام والخاص رغم تعليق الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الإضراب في ضوء سحب قوات الدفاع من الشوارع وإعادة فتح الدوار وحسب تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق إن بعض التقديرات أشارت إلى نحو 80% إلى 85% من العاملين قد أضربوا خلال ذلك اليوم من ضمنهم المعلمين. في ظل بقاء المحتجين في الدوار وتنظيم مسيرات منه وإليه وحسب بعض التقديرات فإن أعداد المشاركين في الدوار تراوحت بين 100 إلى 220 ألف مشارك وقدر تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق أن عدد المشاركين تجاوز الـــ 150 ألف مشارك. وقد أصدر الملك عفوا ملكيا عن عدد 308 أشخاص شمل عدد من الشخصيات القيادية المعارضة، كان من بينهم الاستاذ حسن مشيمع الذي كان يعيش في لندن وسمح له العفو بالعودة بالإضافة للإفراج عن الدكتور عبدالجليل السنكيس والشيخ محمد المقداد. كان الجو العام في الدوار بعد الرجوع له وقبل العفو يحمل تصعيد في الشعارات التي رفعها جزء كبير من المشاركين في الدوار بعد سقوط 7 شهداء وعشرات الجرحى فكان شعار “الشعب يريد اسقاط النظام” وهو الشعار الذي ردده المحتجون في مصر وتونس حيث أنتقل للبحرين أثناء ارتفاع وتيرة العنف، وقد كان البعض يردده للتعبير عن غضبة وإن كان غير مقتنع فيه كحل سياسي وكان آخرون يرددونه بعد أن فقدوا الأمل في إمكانية إصلاح النظام. وكانت المعارضة الممثلة في الجمعيات الست ملتزمة بتمسكها بخيار الملكية الدستورية وإصلاح النظام. وقد حاولت مجموعات شبابية بطرق مختلفة، العمل على ترشيد الشعارات بطرح شعارات تحمل المطالب الرئيسية (حول الدستور والتجنيس والفساد ومحاسبة المسؤولين وغيرها) إضافة لقيام مجموعات شبابية بمسح الكتابات المطالبة بإسقاط النظام من الجدران المحيطة. وعلى الرغم من أن العمل الميداني كان بقيادة الشباب إلا أنه لم تظهر قيادات سياسية شابة تتصدر المشهد وهو ما خلق نوع من صعوبة في الحوار بين الجمعيات والشباب وقد كان للمناضل إبراهيم شريف دورا بارزا في الانتشار وسط الشباب في الدوار ومناقشتهم عن مطالبهم والترويج للملكية الدستورية والحث على السلمية.
وبعد العفو العام الذي شمل بعض القيادات السياسية وانضمامها للدوار تغيرت المعادلة، حيث كانت الجمعيات السياسية المعارضة المسجلة تطرح خيار الملكية الدستورية وتروج له في الدوار الذي رفعت فيه شعارات إسقاط النظام بعد سقوط عدد من الشهداء والجرحى، وقد قامت مجموعة من القيادات السياسية الغير منظمة للجمعيات السياسية الست وبعض من الذين شملهم العفو بتبني خيار إسقاط النظام والترويج له وسط حماس الشباب، وتأسيس تحالف من أجل إقامة جمهورية فيما بينهم، مما يعد، في وجهه نظري خطأ سياسيا كبيرا بسبب عدم إمكانية تحقيقه لأسباب عدة اهمها موازين القوى ومقارنة عملية الإصلاح بالهدم وإعادة البناء وعدم توافق كل شعب البحرين بل ساهم في رفع هذا الشعار بزيادة الانقسام في المجتمع وتحويل الدوار لمكان غير جاذب كما كان نسبياً قبلها خاصة بعد تحكم أطراف متشددة معينه بالمنصة. ودخل الخياران في صراع داخل الدوار إذ قامت الجمعيات السياسية بمحاولات الإقناع للتراجع عن خيار إسقاط النظام والترويج لخيار الملكية الدستورية التي من شأنها تحقيق نفس الأهداف المطلوبة. لم تنجح تلك المحولات لتراجع تلك الأطراف عن خيار شعار إسقاط النظام ولكن حصل خيار الملكية الدستورية على قبول كبير داخل الدوار وخارجه.
وقد قام تلفزيون البحرين والإعلام الرسمي منذ الضربة الأولى للدوار بحملات بث الكراهية والتخوين والتغطية غير المحايدة ونشر الأكاذيب وعدم إشراك المعارضة والتضييق عليها اعلاميا وتحوير خطابها، مما ساهم في انقسام المجتمع اكثر وانتشار الطائفية إضافة لسياسات أتبعتها الدولة لفترة طويله خلقت بيئة خصبة لتعزيز النفس الطائفي منها تقسيم المناطق السكنية والدوائر الانتخابية وعدم محاسبة مثيري الفتن على المنابر الدينية وسياسة التمييز بمختلف تلاوينه سياسي أو طائفي أو عرقي وغيرها في التوظيف والترقيات في الحكومة بشكل رئيسي، إضافة لعدم وجود قانون يجرم التمييز مما ساهم في انتشار التمييز في القطاع الخاص، إذ كانت القطاعات أو المؤسسات المحرمة على طيف من المجتمع تساهم في وجود تمييز طيف على طيف آخر في قطاعات ومؤسسات أخرى في ظل غياب المحاسبة وتجريم التمييز.
وكان الحراك الشعبي مفاجأة لطيف آخر في المجتمع يعاني من نفس المشاكل ويطالب بتحسين الوضع من جانب اقتصادي واجتماعي، لكن دون وعي سياسي بأهمية الإصلاحات السياسية التي من شأنها تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي، بالإضافة للتخوف من هيمنة الإسلام السياسي المختلف طائفياً أو الإسلام السياسي بشكل عام على مفاصل البلد وما ينتج عنه من وضع أسوء وكانت تلك المخاوف بسبب عدم وجود قيادة في ذلك الشارع المتخوف تمثل قناعاته وترفع مطالبه وعدم قدرة المعارضة الوصول والتأثير عليه رغم محاولاتها بالتأكيد على أهمية الوحدة الوطنية. إضافة لوجود طيف في المجتمع موالي للنظام أما بسبب قناعات شخصية أو بسبب الخوف من خسارة امتيازات ومصالح شخصية في حال وجود إصلاح سياسي.
وقد ساهمت بعض الممارسات من قبل جزء من المعارضة في زيادة الانقسام في المجتمع بغير قصد بسبب الحماس والغضب الشعبي نتيجة الأحداث الدموية وعدم أخذ حسابات الوضع المجتمعي بشكل سليم. فأثارت مسيرة متوجهه للديوان الملكي الكائن في منطقة الرفاع السكنية استفزاز قاطنيها وكانت المعارضة الممثلة بالجمعيات السياسية المرخصة قد دعت لعدم المشاركة في تلك المسيرة ودعت لمسيرة حاشدة أخرى في نفس الوقت شارك فيها أغلبية المحتجين في الدوار إلا أن ذلك لم يوقف بعض المحتجين من المشاركة في المسيرة المتوجه للديوان الملكي والتي روج لها (التحالف من أجل الجمهورية) التي كادت أن تؤدي لمواجهات بين المواطنين لولا السيطرة الأمنية على الوضع وكانت هذه المسيرة مؤشر للفارق العددي بين جماهير(الجمعيات المطالبة بالملكية الدستورية) وجماهير(التحالف من أجل الجمهورية المطالين بإسقاط النظام) في ذلك الوقت.
إضافة لاستثمار الإعلام الرسمي بعض من كلمات المتطرفين في المعارضة في التحريض على المحتجين إضافة لبعض الشعارات التي تم نسخها من مصر وتونس ولم تكن تناسب الوضع البحريني. وبعض التصعيدات الميدانية التي تعدت على حقوق الآخرين.
وقد تمت في وقت سابق الدعوة لاعتصام في مسجد الفاتح من قبل الأطراف الموالية والمتحفظة على الانتفاضة الشعبية تزعمها الشيخ عبداللطيف المحمود وهو الشخصية التي كانت محسوبة على المعارضة في فترة التسعينيات من القرن المنصرم تلا فيها كلمة تضمنت النقاط التالية:
- تأسيس ذلك التجمع من قبل مجموعة من الشخصيات الدينية والعامة لتوفير منصة لأولئك الذين ليس لديهم انتماءات سياسية أو مؤسسية للتعبير عن رأيهم.
- التأكيد على شرعية النظام القائم، وأن الحفاظ على الاستقرار في هذا البلد أمر غير قابل للتفاوض.
- وأعرب التجمع عن الحزن العميق والأسف على الوفيات التي وقعت خلال الأيام السابقة.
- ودعا للحفاظ على الهدوء، وأكد أنه من غير الممكن تنفيذ مطالب الإصلاح إلا على أساس توافق وطني.
- كما أكد على الدعوة لتجمع البحرين والحذر من الفتنة الأهلية.
- وإلى الشيعة في البحرين بمن فيهم أولئك الذين احتجوا بدوار مجلس التعاون الخليجي، فقد أكد على ضرورة وحدة الشعب البحريني الذي يشترك في ذات المظالم والمشاكل والتحديات وأن هذا التجمع “يمد يده” للموجودين بدوار مجلس التعاون الخليجي للتعاون لتحقيق الأفضل.
- وإلى أهل السنة في البحرين التأكيد على أن التجمع لن يتبني الآراء المتعارضة مع العقل والمنطق.
- ولقيادة البلاد التأكيد على أن الشعب البحريني يطالب بحقوقه ومن وأولوياتها أن تكون السلطة في يد الشعب، وأن تكون سلطة حقيقية وليست مجازية، وأن الحقوق المنصوص عليها في الدستور لا ينبغي أن تبقى معطلة عن التطبيق. هذا فضلاً عن دعوة قيادة البلاد لإزالة كافة أشكال التمييز سواء العرقي أو الطائفي أو الأسري أو على أساس طبقي، وضرورة مراعاة المسئوليات الملقاة على عاتقهم، حيث إنهم ليسوا فاسدين ولديهم الخبرة الكافية. إلا أنه قد تم بالفعل الاختلاس من ثروات البلاد، بالإضافة إلى ضرورة إجراء التنقيحات المتوازنة في الدستور لضمان أن الشعب هو صاحب السلطة بوصاية الملك.
وذكر أنه يتفق في 80% من مطالب المعارضة وقد حضر الاعتصام حشد من المواطنين والوافدين لأسباب مختلفة، وكان خطاب الشيخ عبداللطيف المحمود غير متوقع حيث كانت التوقعات أن تنحاز كلمته بشكل أكبر للنظام وتهاجم المعارضة وقد حظيت كلمته على قبول الحاضرين بالإضافة لتعاطي الجمعيات السياسية المعارضة معه بإيجابية ويذكر إن المناضل إبراهيم شريف علق على تجمع الفاتح في ندوة في بالدوار قائلاً للشباب ليس كل من ذهب للفاتح ذهب “يترزق الله” هناك من ذهب حاملاٌ علم البحرين ولديه مطالب وعلينا محاولة الوصول لتقاطعات معهم.
وقد نظم عبداللطيف المحمود بالتعاون مع جمعيات سياسية موالية ومستقلين تجمع ثاني في الفاتح في وقت لاحق ألقى فيه خطاب مختلف عن خطابه الأول فكان خطابه الثاني يرتكز على التحريض ضد المعارضة ورفض مطالبها والمطالبة بتدخل الأمني.
بادر مجموعة من شباب الدوار بالدعوة لعمل سلسلة بشرية من الفاتح إلى دوار اللؤلؤة لتأكيد على الوحدة الوطنية والتخفيف من الاحتقان الطائفي. حيث بدأ التجمع بالقرب من مسجد الفاتح وبمرور الوقت أمتد السلسلة البشرية لتصل إلى محيط دوار اللؤلؤة رفعوا فيها شعارات تأكد على الوحدة الوطنية.
عاشت البحرين حاله من الفوضى بسبب الغياب التام للأمن وأفتعل مجهولون بعض أعمال العنف مما نشر ظاهرة اللجان الشعبية التي غذت الانقسام في المجتمع. إضافة لتصعيد الاحتجاجات بمرور الوقت وانتقال عدد من المحتجين لمحيط المرفأ المالي وقاموا بقطع بعض الطرق الرئيسية.
استمرت الاتصالات بين المعارضة وولي العهد لتوافق على أرضية وآليات الحوار إلى أن أطلق ولي العهد مبادرته للحوار والتي تضمنت النقاط السبع التالية:
- مجلس نواب كامل الصلاحيات.
- حكومة تمثل ارادة الشعب.
- دوائر انتخابية عادلة.
- التجنيس.
- محاربة الفساد المالي والإداري.
- أملاك الدولة.
- معالجة الاحتقان الطائفي… وغير ذلك من مبادئ ومحاور للحوار الوطني.
وتجاوبت المعارضة بشكل إيجابي مع دعوة ولي العهد للحوار إلا أن المفاجأة كانت بدخول قوات درع الجزيرة للبحرين وإعلان حالة السلامة الوطنية لمدة 3 أشهر ولتبدأ أسوء مرحلة مرت على تاريخ البحرين حيث كانت الضربة الأمنية الأشرس وتجاوزات وحشية سحقت مبادئ حقوق الإنسان مست قطاع واسع من شعب البحرين. بدأت بمجزرة في منطقة سترة يليها هجوم على الدوار ومواجهات في مدن وقرى البحرين سقط على أثرها عشرات الشهداء، واعتقالات وتعذيب طالت ما يقارب 1300 شخص شملت قيادات سياسية وأطباء ومعلمين وطلبة وإعلاميين ورياضين ونساء وشيوخ وأطفال وعمال وعسكريين وقد سقط 5 شهداء نتيجة التعذيب. وفصل من العمل أكثر من 4600 موظف وفصل أكثر من 400 طالب من الجامعات بالإضافة لسحب بعثات التعليم وتوقيف المخصصات على الطلبة الدارسين بالخارج وحملات تخوين وتشهير وإثارة الفتن الطائفية بروايات مفبركة على الإعلام الرسمي والمنابر الدينية دون حسيب واختلاق روايات وإلصاقها بالمواطنين وانتهاك لحرمات البيوت وعرضها وسرقات وإتلاف الممتلكات وإهانات ومحاولات إذلال ومس بالكرامة وسياسة تجويع وحرمان من الخدمات وعسكرة البلد بما فيها المستشفيات. لم تكن الضربة سياسية فقط بل طائفية أيضاً حيث يكفي أن تكون من طائفة معينة لتنال نصيبك من الوحشية والهمجية. مست الضربة أناس بعيدة عن العمل السياسي وقادت لمستقبل مجهول للشباب متفوق حرم من دارسته أو حرم عمله أو حبس خلف قضبان الظلم ليعذب على خلفية رأيه السياسي أو مذهبه. (المرجع تقرير بسيوني)
كما تم احراق المقر الرئيسي لجمعية وعد مرتين، والاعتداء على فرع التنظيم في المحرق عدة مرات حتى اصبح غير قابل للاستخدام، وتم تشميع مقري الجمعية بالشمع الاحمر وتجميد نشاطها لاكثر من شهرين.
مرحلة ما بعد حالة السلامة الوطنية
وبعد إنهاء فترة السلامة الوطنية التي استمرت ثلاث شهور وتشكيل اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق والتي كان دورها التحقيق في أحداث فبراير ومارس والتي أصدرت تقرير يكشف عن حجم الانتهاكات التي حدثت في تلك الفترة وأدان التقرير النظام على العنف المفرط الغير مبرر وقدم توصيات عدة لو طبقت كان من شأنها أن تقود لمصالحه وطنية وتهيئ لحوار بين النظام والمعارضة يقود البلد لبر الأمان. تمت المماطلة في تنفيذ التوصيات والالتفاف عليها كان منها أول توصية في التقرير وهي تشكيل لجنة وطنية مستقلة ومحايدة تضم شخصيات من الحكومة والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. إلا أن النظام انفرد بتشكيل اللجنة دون إشراك المعارضة وبصورة لا تضمن استقلاليتها ومحايدتها. ومن يوم تشكيل اللجنة حتى كتابته هذه السطور لم ينفذ إلا جزء متواضع من التوصيات. فلم يتم محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات ولم يتم الإفراج عن المعتقلين على خلفية آرائهم السياسية وتعويض المتضررين وغيرها. وتمت المماطلة في تنفيذ بعضها فقد عولجت بعض القضايا بشكل بطيء جداً وبشكل غير كامل منها إعادة العمال المفصولين. لم تكن فترة صدور التقرير نقطة تحول في سياسيات الدولة فالاعتقالات وعمليات التعذيب والمحاكمات الجائرة وتلفيق التهم والتضيق على الحريات ما زالت مستمرة بشهادة مجلس حقوق الإنسان الذي رفع 176 توصية للبحرين في عام 2012 وتقارير المنظمات الدولية المستمرة.
لم تتوقف المسيرات والتظاهرات وأن خفت في فترة السلامة الوطنية بسبب البطش وعدم دعوة قيادات المعارضة لنزول للشارع في فترة السلامة الوطنية حقناً للدماء. إلا أن بعد إعلان إنهاء حالة السلامة الوطنية رجعت الجمعيات المعارضة للشارع بمسيرات واعتصامات حاشدة أسبوعياً دون توقف إضافة للمسيرات اليومية الغير منظمة من قبل الجمعيات استمرت لفترة ما يقارب ثلاث سنوات ونصف إلى أن يأتي قرار جائر بوقف المسيرات والاعتصامات في البلد ولكن ذلك لا يعني أن التظاهرات توقفت بل ما زالت مستمرة بشكل يومي ولكن بزخم أقل نتيجة القمع. وقد تجاوبت المعارضة مع عدد من دعوات الحوار مع النظام والتي عبارة كانت عن حوارات شكليه للنتائج لها على أرض الواقع رغم تعاطي المعارضة معها بشكل إيجابي وتقديمها العديد من المشاريع أبرزها وثيقة المنامة التي تمثل رؤية المعارضة لحل لأزمة وقد قدمت المعارضة غيرها العديد من المشاريع والبرامج والمرئيات دون تقديم النظام أي مشروع يذكر غير استمراه بالقبضة الأمنية، فضلا عن وثيقتي اللاعنف وضد التحريض على الكراهية اللتان هدف المعارضة من اصدارهما وقف التدهور الحاصل في السلم الاهلي والاستقرار الاجتماعي
التحديات والتطلعات:
أنتجت أحداث 14 فبراير معارضة جديدة كانت بعيدة كل البعد عن العمل السياسي وساهمت في نشر الوعي في مختلف تلاوين المجتمع البحريني وخاصة بين فئة الشباب الذي كان له دور رئيسي في الأحداث وما زال الشباب البحريني صامدا ومندفعاً لتحقيق الديمقراطية وأن كانت الأزمة قد خلفت انقسام في المجتمع إلا أنه سرعان ما خفت الحدة بحكم طبيعة وتركيبة المجتمع البحريني وأن كانت الطائفية لا تزال موجودة في مجتمعنا إلا أن الشباب البحريني أثبت قدرته على التلاقي والتحاور بين التوجهات المختلفة والبحث عن المشتركات وهو ما لم يحققه الجيل الأكبر. وإن موجة الربيع العربي التي أزالت أغبره عن عيون الكثير من الشباب وغيرت اهتماماتهم ونشرت الوعي بينهم وإن لم نقطف ثمارها بعد إلا أن لا زال مدها موجود على مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تخلو من إبداء وجهات النظر حول الشأن العام وكشف بعض المعلومات الغائبة عن الإعلام وأهما آراء الناس في مختلف المواضيع وما للنقاشات اليومية بين الشباب إلا خلق تراكمات من شأنها تغير بعض وجهات النظر وربما القناعات للوصول لتوافق أكبر.
تعيش البحرين في الوقت الحالي مرحلة جمود سياسي يكابر النظام فيه على استحقاقات الشعب وعدم الاستقرار والأزمة الاقتصادية والسياسية والوضع الاجتماعي السيء، إضافة لتفاقم أزمة الإسكان والبطالة والتجنيس وتدني الأجور وغلاء المعيشة في ظل أزمة دستورية وأزمة ثقة بين الشعب والسلطة.
إذ بات على النظام ضرورة الإقدام على خطوة جريئة يضع فيها خارطة طريق تقود البحرين إلى بر الأمان، تبدأ بالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية لتهيئ لحوار جاد ينتج عنه عقد اجتماعي جديد يلبي طموحات جميع أبناء شعبنا ويكون الركيزة التي يلتف حولها كل البحرينيين لمواجهة التحديات والأزمات. إذ باتت عملية الإصلاح السياسي مسألة غير قابلة للتأجيل لإنقاذ الوطن من الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البحرين نتيجة تراجع أسعار النفط الذي يعتمد علية اقتصاد البحرين بشكل رئيسي. وأن الدولة لم توجد حلول حقيقية لهذه الأزمة وانتهجت سياسات تضر بالمواطن كرفع الدعم عن بعض السلع وزيادة أسعار رسوم الخدمات الحكومية إضافة لفرض رسوم جديدة على بعض الخدمات في الوقت الذي يعاني فيه المواطن من تدني الأجور وغلاء المعيشة مع العلم أن هذه السياسات لا تعالج الأزمة بل تفاقمها في ظل دين عام يقترب من سقف العشرة مليارات دينار ومن المتوقع أن يتجاوز هذا الرقم العام المقبل، وفائدة تصل لأكثر من 400 مليون دينار وعجز في الموازنة العامة تجاوز 3 مليارات دينار لعامي 2015 و2016، في ظل الاستمرار بسياسات الاقتراض دون وجود سياسة واضحه لخلق اقتصاد بديل وحلول اقتصادية حقيقة تعالج الأزمة. وعلى السلطة ان تعي ان الدعم الاقتصادي المقدم من دول الخليج لن يستمر في ظل الأزمات التي تضرب بتلك الدول. حيث أن الإصلاح السياسي هو الحل الوحيد القادر على إخراج البلد من أزمتها عن طريق التحول لملكية دستورية على غرار الديمقراطيات العريقة لتتمكن الكوادر المتقدمة من المشاركة في صناعة القرار وصيغ سياسات الدولة ومحاربة الفساد الذي أنهك الاقتصاد الوطني، حيث قدمت تلك الكوادر العديد من مشاريع للوضع المحلي سواء في اصلاحات سوق العمل أو حلول لمشكلة الإسكان أو الوضع الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الصعيد العربي مشاريع في طريقة التعاطي مع القضية الفلسطينية ودعم الوحدة العربية للارتقاء بها وبشعوبها.
وبات على التنظيمات والأحزاب العربية دعم القضية البحرينية التي تجاهلتها بعض التنظيمات أما بسبب بناء مواقفها على الإعلام الرسمي أو ظناً منها انه حراك فيه من الترف الكثير لا بسبب أزمة حقيقة يواجها البحرينيون. وبات من الضرورة إعادة قراءة المشهد البحريني من كل زواياه وعدم الركون ما يقدمه الإعلام العربي الرسمي.
إن نقل التجربة النضالية العربية يتطلب اعادة التفكير في طريقة التعاطي مع الشباب ووقف تجاهلهم واقصائهم وهو ما ترتب عليه عزوف الشباب من تلك التنظيمات وخلق فجوة كبيرة بين الشباب والأجيال التي تسبقهم وعدم نقل التجارب السابقة بسلبيتها إيجابياتها ليستفيد منها الشباب لخوض غمار ونضالات المرحلة الراهنة والمستقبلية. اذ اصبح من الضروري العمل بشكل جاد على التفكير بأساليب جديدة لاستقطاب وجذب الشباب واعطائهم مسؤوليات حقيقية وفتح المساحة لهم للمشاركة في قيادة المرحلة القادمة بعد أن اثبتوا كفاءتهم وصمودهم وتضحيتم التي أساء لها من ركب على ظهورهم واقصاهم.
وبات على الشباب البحريني والعربي الاستمرار في نضالهم وحماسهم والانفتاح بشكل واسع على مختلف التوجهات وتكثيف اللقاءات للنهوض بجيل موحد مختلف عن شتات من سبقونا. والاستمرار في الحصول على المعرفة والاطلاع على تجارب الآخرين وكتابه المشاريع التي تساهم في حل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنهوض بأمتنا من المستنقع وانقاذها من النار التي تدمرنا والإصرار على الوقوف بعز واخذ المبادرات لقيادة المرحلة القادمة لبناء وطن لا يرجف فيه الأمل.
وبات على الجمعيات السياسية والقوى الديمقراطية بشكل خاص والشخصيات الوطنية في البحرين أتباع أساليب مختلفة للضغط على النظام من أجل تحقيق تطلعات شعبنا بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. حيث أصبح من الضروري العمل بشكل جاد على الوحدة الوطنية والإجابة على تخوفات المجتمع بكافه تلاوينه بالمشروع الذي من شأنه رفعه الوطن والمواطن والوضع الاقتصادي والاجتماعي وبالتفاصيل التي من شأنها تحقيق دولة المواطنة المتساوية التي تحفظ حقوق الجميع وتحقق دولة المؤسسات والقانون وحقوق الإنسان. والعمل على صياغة خطاب جديد ومختلف يوحد الصفوف في ظل انقسام مجتمعي ومنطقة مشتعلة على نار الطائفية وإقليم ووضع دولي يساهم في تغذيتها ومحورين يصفون دماء شعوبنا. وإن الوقت حان لإعادة التفكير بالدعوة للتمرد على القوانين التي تقيد مبادئ حقوق الإنسان بما فيها حرية التعبير والتجمع السلمي والمشاركة الفاعلة فيها.
حيث إذا لم يتم الإسراع بالمصالحة الوطنية والإقدام على خطوات جادة في الإصلاح السياسي ستتفاقم الأزمة الاقتصادية وستفرض واقع مختلف يفرض على الشعب التوحد والدخول في خندق واحد في المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية في ظل كشف فساد المتنفذين والمتمصلحين والمتنفعين على حساب أبناء الوطن. خاصة وان اصوات جديدة بدأت برفض الاوضاع الحالية. وحسب التاريخ السياسي والنضالي لشعب البحرين الذي لا يخلو من حراك شعبي أو انتفاضة كل 10 سنوات فأن تطور الاوضاع ينذر باحتقانات تؤشر لمشاركة اكبر من فئات المجتمع البحريني وبشكل أقوى نتيجة دروس وتراكمات التجارب السابقة.
المراجع:
- تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق (تقرير بسيوني) 23 نوفمبر 2011م.
- إحصائيات البنك الدولي.
- إحصائيات منظمة العمل الدولية.
- إحصائيات هيئة تنظيم سوق العمل.
- الصحف البحرينية المحلية.
- الصحف العربية والعالمية.
- من واقع التجربة الشخصية ومعايشة الوضع.
- ورقة للأستاذ عبدالله جناحي في ورشة التجنيس يناير 2014.
- صفحة 14 فبراير على موقع الفيس بوك.
- بيانات صادرة من الجمعيات السياسية المعارضة في البحرين.