المناضل النعيمي والوحدة الخليجية

                                                                   د. يوسف مكي

ملاحالنعيمي المناضل:

تعرفت على النعيمي قبل التقائي به بسنوات طويلة. حدث ذلك في بداية الثمانينات من القرن الماضي، أثناء إقامتي بمدينة سان فرانسيسكو للتحضير للدراسات العليا. كنت أثناءها قريبا بالسكن من الصديق الدكتور فيصل شهاب، ولقاءاتنا شبه يومية. ويومها كانت البيانات والنشرات تصل إليه من دمشق، بشكل متواصل. والمرسل دائما هو سعيد سيف، المناضل البحراني المقيم في دمشق.

بعد تسلم الملك حمد لمهام الحكم، وصدور القرارات التي مهدت لصدور الميثاق الوطني، عاد المناضل سعيد سيف، إلى وطنه. والتقيت به في الأيام الأولى، وتكررت لقاءاتنا، وتحولت إلى صداقة قوية وراسخة. في هذه اللقاءات يمتزج الخاص بالعام، وهموم الوطن والأمة هي ما يطبع في الغالب لحظات الحضور.

رحلة النعيمي الفكرية، شهدت محطات كثيرة، وابن “الحد” لم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب، بل كان قدره أن يعيش صباه مناضلا ومكافحا من أجل لقمة العيش. ولم يكن التحاقه بحركة القوميين العرب، المحطة الجديدة في دروب كفاحه، سوى استمرار للنضال المبكر، الذي أسهم في خلق وعيه بالانحياز للكادحين.

لم يكن التحاقه بحركة القوميين العرب، ترفا فكريا، بل احترافا نضاليا، نقله بسرعة إلى الصفوف الأمامية للحركة، فتبوأ الموقع القيادي للحركة بالجامعة الأمريكية في بيروت. وقد دفعته به معاناته الحياتية المبكرة، للتماهي مع التحول اليساري الذي شهدته الحركة، والذي ترك بصماته واضحة على مجرى الكفاح الفلسطيني.

وحين يتعلق الأمر بالخليج العربي، فالنعيمي يأتي على رأس قائمة المناضلين، الذين رفعوا راية الكفاح عاليا من أجل حريته واستقلاله. لكن بوصلة نضاله، جعلت من الصعب عليه التمييز بين نضاله القومي من أجل تحقيق الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، وبين إيمانه بحتمية انتصار قضية الاستقلال والتحرير في الخليج العربي. فكان نضاله في الحركة الطلابية، وإسهامه في تاسيس كنفدرالية الطلبة العرب، تجسيدا لهذا الإيمان.

أراد النعيمي للخليج العربي، استقلالا حقيقيا، وليس مجرد صكوك مزيفة، تبقي على التبعية للمستعمر، فكان أن اختار الطريق الأصعب، طريق النضال والكفاح. وكان النضال النقابي، أحد أدوات تصعيد هذا الكفاح ضد المستعمر. فكانت قيادته إضرابا عماليا لنيل حقوق العمال والمهندسين البحرينيين، هي بوابة كفاحه النقابي.

النعيمي ووحدة الخليج العربي:

أمن النعيمي أن النضال من أجل استقلال الخليج العربي، وبالتالي تحقيق وحدته، لن تتم من خلال البنيات الفوقية، ولن يحققها الحكام. وحدة الخليج الحقيقية، كما رآها النعيمي تتحقق في معمعان الكفاح من أجل الحرية والاستقلال، وليس بالمراسيم واجتماعات القمة، ولن يكون المستعمر، الذي ساهم في تمزيق الخليج إلى كيانات مجهرية، سببا في تحقيق هذه الوحدة.

ولأن تلازم الفكر بالنضال، شرط أساسي لإنجاح أي مشروع وطني استراتيجي، فإن طريق تحقيق الوحدة الخليجية، بالنسبة للمناضل النعيمي، تبدأ من وحدة الكفاح. وكهذا انطلق النعميمي من دائرة الفكر إلى دائرة العمل. فكان من رواد عملية التحول في تنظيم حركة القوميين العرب بالخليج العربي، نحو اليسار وتأسيس الحركة الثورية، في عمان والخليج العربي، والتي عقدت مؤتمرها التأسيسي في فبراير عام 1968.

وعندما انتقل للعمل في أبوظبي كمندس في دائرة الكهرباء والماء، وجدها فرصة سانحة، ليس فقط لمتابعة بناء التنظيم بالبحرين والحركة الثورية في الخليج، بل أيضا التحضير للانتقال من دائرة العمل السياسي في مواجهة الاستعمار، إلى دائرة الكفاح المسلح، الذي قادته في حينه الجبهة الوطنية الديمقراطية.

وعندما تعثر ذلك المشروع، رأى أن الكفاح ضد المستعمر وحلفائه، لا يستقيم من غير توحيد الخنادق، بين كافة القوى المناضلة، التي تحمل هموم التحرير وترفع السلاح من أجل قيام نظام تقدمي في منطقة الخليج. فعمل مع المناضلين على توحيد الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل، والجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي في مؤتمر أهليش في ديسمبر 1971، وتشكيل الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي.

استمر النعيمي أمينا عاما للجبهة الشعبية في البحرين، بعد تفكك جبهة تحرير الخليج. وعندما رجع إلى البحرين عام 2001، أسهم مع القوى السياسية المدنية في تأسيس جمعية العمل الوطني، وقد انسحب عنها لاحقا المنتمون لجبهة التحرر الوطني، حيث أسسوا جميعة المنبر الديمقراطي، والبعثيون الذي أسسوا جمعية التجمع القومي.

لم يثن مناضلنا، ولم تضعف من عزيمته انسحاب الآخرين عن جمعية العمل الوطني، ولم يضعف من إيمانه بوحدة القوى الوطنية في البحرين. فالوحدة الوطنية هي الموضوع الأثير في كثير من المناقشات التي جرت بيننا. وفي مرات طلب مساعدتي في الإسهام بإقناع الأطراف الوطنية الأخرى بالعودة لجمعية العمل الوطني، أو على الأقل للعمل المشترك معا، والتنسيق لما فيه دعم العمل الوطني. وفي 2003 نجحت مبادرة النعيمي، في تحقيق التآلف الوطني، حيث عقد المؤتمر الدستوري، كإطار جامع للقوى الوطنية، بدستور عقدي ومملكة دستورية.

وفي كل مراحل كفاحه، ظل النعميمي مكافحا إنسانيا، وقوميا وخليجيا ووطنيا، شعلة متوقدة. وسيبقى نضاله وفكره نبراسا، يضيء الطريق للباحثين عن درب الحرية والعدالة والوحدة.