عبدالرحمن النعيمي (سعيد سيف)
قامة باسقة في النضال الوطني كنخلة البحرين
بقلم عبدالنبي العكري
منتدى المناضل عبدالرحمن النعيمي – بيروت – 15 ديسمبر 2013
من الصعب عزل النضال الوطني للمناضل عبدالرحمن النعيمي (سعيد سيف كما عرف في مرحلة النضال السري)، عن نضاله على الخليجي والقومي والأممي، فقد كان شخصية مركبة من كل هذا فهو الوطني والخليجي والقومي والإنساني. ومنذ أن التحق بحركة القوميين العرب وهو على مقاعد الدراسة بالجامعة الأمريكية في بيروت في عام 1962م حتى وفاته في سبتمبر 2011م، وهذه الأدوار متداخلة لكننا سنحاول الاقتصار في هذه الورقة على نضاله على الساحة الوطنية وسأتناول المحطات الرئيسية.
بيروت:
شكل تنظيم الطلبة البحرينيين في حركة القوميين العرب وتثقيفهم أولوية لدى أبو أمل، وقد نجح بالفعل في تشكيل خلية للحركة وكنت أحد أفرادها وكان هو المسؤول عنها رغم مشاغله العديدة كقيادي في حركة الجامعة الأمريكية في بيروت وتنسيقية الحركة في لبنان . وأستطيع القول أنه على امتداد أربع سنوات من الدراسة في الجامعة الاميركيه، فقد استفدت كثيراً من سعة اطلاعه، ورفاقية الحميمة، وبالطبع فقد قاد الخليه التي كنت عضوا فيها في عملية التحول من الفكر القومي المحدود إلى آفاق الفكر التقدمي، وتبنى الأيدولوجية الماركسية اللينينه.
أما المحور الثاني لنضاله فهو في أوساط الطلبة البحرينيين عموماً، وخصوصاً في رابطة طلبة البحرين في بيروت والتي مثلت بيت البحرينيين الدارسين في لبنان في مختلف الجامعات والمعاهد وحسب ما أذكر فقد كان هو رئيس الرابطة وكنت سكرتيرها للعام الدراسي 1964 – 1965 وقد أسهم بحكمة في إدارة الرابطة التي كانت تضم مختلف الاتجاهات السياسية والفكرية. ومن المهمات التي نهض بها ضمن إدارة الرابطة هو مواكبه انتفاضة 1965 المجيدة حيث كرس جهوده ومعارفه للقاء الشخصيات السياسية اللبنانية ومنهم المرحوم كمال جنبلاط، وإجراء مقابلات صحفية، وإرسال البرقيات للزعماء العرب.
البحرين 1966 – 1970:
على أثر تخرجه من الجامعة الأمريكية كمهندس كهربائي 1966 عمل كمهندس في محطة أم الحصم الرئيسية لتوليد الكهرباء إلى جانب المهندس جميل العلوي وكانا المهندسين البحرينيين الوحيدين ولاقينا العنت من قبل مدير المحطة المهندس الإنجليزي. وكان ذلك مدخلاً للصراع الوطني والطبقي في المحطة. سعى أبو أمل لتنظيم عمال المحطة، وتوج عمله الدؤوب بالإضراب العام لعمال المحطة في عام 1968م احتجاجاً على سياسية الإذلال للمدير الإنجليزي وتهميش المهندسين والعمال والفنيين البحرينيين، وقد رأس وفد العمال المضربين في اجتماعهم مع مدير المالية – العلوي حينها، والذي نقل بدوره مطالبهم إلى رئيس حكومة البحرين حينها الشيخ خليفة بن سلمان. لكن مباحث أمن الدولة التي كان يقودها هندرسون، ألقت القبض عليه وظل معتقلاً لأسابيع، ومنع من العمل في أي وظيفة حكومية مما أضطره إلى السفر إلى أبوظبي حيث عمل هناك حتى 1970م، عندما أبعده مرة أخرى إلى بيروت. عندما رجع أبو أمل بعد تخرجه من الجامعه الاميركيه كمهندس كهربائي إلى البحرين في 1966م كانت المعارضة الوطنية ومنها حركة القوميين العرب، تمر في أسوأ حالاتها. لقد جرى قمع انتفاضة مارس 1965م بقسوة، وجرى اعتقال أبرز قياداتها، فيما هرب إلى المنفى قياديون آخرون. والملاحظ خلال هذه الفترة ظاهرتين الأولى هي تشظي التنظيمات السياسية بفعل السرية المتشددة والثاني التحول الماركسي في صفوف حركة القوميين العرب والتنظيمات القومية الأخرى ومنها جبهة تحرير شرق الجزيرة مثلاً.
في هذه المرحلة عمل أبو أمل إلى محاولة لم شتات حركة القوميين العرب، وفي ذات الوقت الدخول في حوارات مع التنظيمات المعارضة الأخرى القريبة من الحركة ذات التوجه اليساري. وكانت القياده المسوؤلية حينها مشكلة من أبو أمل (سعيد سيف)، عبدالنبي العكري (حسين موسى) وعبدالرحمن جمشير (أبو أحمد)، حيث كان أبو أمل هو المسؤول التنظيمي. ولقد تكللت مساعي الحوارات بالنجاح في اندماج كل من الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي (البحرين). وريثة تنظيم حركة القوميين العرب (البحرين) مع جبهة تحرير شرقي الجزيرة (يسار البعث) وجبهة تحرير الخليج العربي (بقيادة الشهيد محمد بونفور) والشباب القومي (بقيادة علي ربيعة). لم يتح لأبو أمل أن يبقى طويلاً في البحرين، ثم غطس في معمعان العمل الخليجي المشترك، حيث كان مسؤولاً أساسياً في التحضير لمؤتمر دبي في فبراير 1968م، حيث تم تأسيس الحركة الثورية في عمان والخليج العربي، وظل في ساحل عمان، من خلال عمله في دائرة كهرباء أبوظبي، وعمله النضالي في الحركة الثورية، وخصوصاً التحضير لتفجير الكفاح المسلح في يوليو 1970م في عمان الداخل. وقد أتيحت لي الفرصة للتردد على أبوظبي خلال هذه الفترة حيث كان يتابع الوضع السياسي والتنظيمي في البحرين.
مرحلة المنفى:
بإبعاد أبو أمل من أبوظبي إلى بيروت في اوائل 1970م فقد بدأت مرحلة جديدة وهي المنفى والتي امتدت حتى فبراير 2001م، عندما عدنا معاً إلى البحرين بعد أربعة عقود من النفي بالطبع هناك عدة مراحل في هذه المرحلة الممتدة تبعاً للمسؤوليات التي نهض بها والإطار التنظيمي الذي ينتمي إليه.
- النضال الوطني في الإطار الخليجي:
بالرغم من إبعاده من أبوظبي إلى بيروت، فقد ضل يتردد على الإمارات سفراً، وكان ينتقل ما بين إمارات ساحل عمان (قبل قيام الإتحاد في ديسمبر 1971م) وعدن. في مؤتمر دبي فبراير 1968م والذي قرر تحويل تنظيمات حركة القوميين العرب في الخليج العربي إلى الحركة الثورية والشعبية في عمان والخليج وتبني الإشتراكية العلمية، انتخب في عضوية المكتب السياسي ومسؤولاً تنظيمياً.
وفي مايو 1970م جرى تشكيل الجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي من الحركة الثورية، وتنظيم طلبة الخليج، ومناضلين من جبهة تحرير عمان. وآخرين مستقلين وكان حينها منغمساً في الشأن الخليجي، وخصوصاً التحضير لتفجير الثورة في عمان الشمال والذي اجهضت في مرحلتها الأولى، وترتب على ذلك معالجة تبعاتها الخطيرة. وفي ديسمبر 1971م عقد مؤتمر أهاليش في المنطقة المحررة من ظفار لتوحيد الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل، والتي كانت تقود الثورة المسلحة في عمان الجنوب (ظفار) والجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي والتي حاولت تفجير الثورة في عمان الشمال وهو ما تم بنجاح، لكن أبو أمل ولأسباب عديدة لم يرشح نفسه للقيادة العامة للجبهة الموحدة بل في ظل أن يستمر في قيادة الحركة الثورية والتي من المفترض أن تمثيل الحزب الثوري الذي يقود الجبهة.
تنقلت عائلة أبو أمل في الفترة ما بين 1971 حتى أواخر 1974 ما بين حوف وعدن. في حين أنه كان ينتقل ما بين عدن وبيروت ودمشق. ومن هناك كانت متابعته للأوضاع السياسية والتنظيمية في البحرين وفي أوساط طلبة البحرين في الخارج. وفي هذا الإطار أسهم عن بعد في استكمال اندماج مختلف التنظيمات الوطنية اليسارية في إطار الجبهة الشعبية في تحرير عمان والخليج العربي، فرع البحرين كما أسهم في متابعة التحولات الحاسمة بانتقال البحرين من محمية بريطانية إلى دولة مستقلة في 16 أغسطس 1971م، وما ترتب على ذلك من تحول في المشهد السياسي، والاصطفاف السياسي، والمواقف والتحولات. ولعل أبرز المحطات في هذا الشأن انتفاضة مارس العمالية 1972م. كما أنه رأس الاجتماع لقيادات من الداخل والخارج في بيروت والذي اتخذ قرار مقاطعة انتخابات المجلس التأسيسي في يونيو 1972م. وكذلك الاجتماع الذي تقرر فيه مقاطعة الانتخابات النيابية في 10 ديسمبر 1973م، وما أثاره القرارات من جدال مستمر حتى الآن. ونستطيع القول أنه يعود الفضل أيضاً لأبو أمل من خلال المكتب الطلابي في تعزيز العمل التنظيمي والطلابي في أواسط طلبة البحرينيين الجامعيين، وتذليل العقبات لانعقاد المؤتمر التأسيسي الوطني لطلبة البحرين في دمشق 1972 كما أسهم في لم شتات الحركة العمالية البحرينية بعد قمع انتفاضة مارس 1972م، وهروب عدد من قياداتها إلى الخارج، حيث أسهم في تقارب اللجنة التأسيسية لعمال ومستخدمي البحرين (القريب من الشعبية)، ولجنة التنسيق بين نقابات عمال البحرين (القريب من التحرير) في اتحاد عمال البحرين، والذي حظي باعتراف عربي وعالمي.
مرحلة الجبهة الشعبية في البحرين:
في يوليو 1974م عقدت الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج مؤتمرها الثاني في الحوطة بلجج باليمن الديمقراطية، حيث ترتب عليه الاستقلال التنظيمي لمكونات الجبهة اقليمياً. وهكذا انبثقت عنه الجبهة الشعبية لتحرير عمان، مباشرة والجبهة الشعبية في البحرين لاحقاً في نوفمبر 1974م اثر اجتماع موسع لكوادر الجبهة في الخارج في دمشق في بيت أبو أمل بالذات. ومنذ ذلك الحين فإن أبو أمل بقي الأمين العام للتنظيم والممسك لخيوط العلاقة مع التنظيم في الداخل، والعلاقة ما بين الخارج والداخل حيث كان بيته مقر الاجتماعات والدورات الحزبية وفيه تجهز طرود الحلويات الشاميه الملغمة بالرسائل المشفرة. وفي بيته كانت تعد النشرة الشهرية 5 مارس، والتقارير والتعاميم الحزبية، ويستضيف العناصر القادمة من البحرين أو المنفى. وهنا يجب أن أسجل وقفة وفاء للصابرة أم أمل التي تعاطت بحنكة مع كل هذه الظروف، وأمنت السرية للعناصر الزائرة، والراحة للجميع على حساب صحتها وكذلك عائلة أبو أمل (أمل وخالد وسلوى ووليد وعائشة) والذين هم بحق عائلة الجبهة الشعبية في البحرين.
تعرضت الجبهة الشعبية في البحرين للملاحقة الدائمة من قبل مخابرات هندرسون لضربات قوية أهمها الضربة المرتبطة باغتيال الشهيد محمد بونفور عام 1972م والضربة المرافقة لاغتيال عبدالله المدني في 1979م، والضربة الموجهة للتنظيم للجنة التأسيسية في 1984م، وكل منها تخلف ضحايا وتشققات في التنظيم لابد من معالجتها .كما واجهت الجبهة انهيارات لبعض أعضاءها واختراقات لصفوفها، وخلافات داخلية لكن أبو أمل عمل بدأب لمعالجة كل ذلك وكعادته عمل بصبر لإعادة رص الصفوف وترميم الأوضاع، ليواصل التنظيم مسيرته.
اهتم أبو أمل بعمل المنظمات الجماهيرية في ظل ظروف العمل السري فشجع قيام المكتب الشبابي ليهتم بالعمل الشبابي والطلابي وكان له دور في تشكيل منظمة الشبيبة البحرينية، وكلاهما لعب دور مهماً في مسيرة الاتحاد الوطني لطلبة البحرين، وتمثيل شباب البحرين لدى المنظمات العربية والدولية كما رعى تشكيل المكتب النسائي ليقود العمل في أوساط نساء الجبهة فيما يخص العمل في الجمعيات النسائية . وأذكر أنني أسهمت في دور بالكادر النسائي والذي حضرتها عدد من الرفيقات ومن بينهن المرحومة عزيزة البسام وبالطبع اهتم بالمكتب العمالي، والذي أسهم في تشكيل اتحاد عمال البحرين والعمل الحزبي في أوساط العمال، وتنسيق نشاطاتهم النقابي داخل البحرين وخارجها وهكذا رغم ظروف السرية والقمع والملاحقة في الداخل وتقلبات الأوضاع في المنافي فقد أسهم أبو أمل في أن يكون للجبهة الشعبية في البحرين تنظيم صامد في البحرين مؤثر في مختلف قطاعات الشعب وله دور مهم في العمل النقابي والنسائي والشبابي والطلابي، وفي أوساط المثقفين .
لم يكن المنفى آمناً تماماً لقد كان للصديق حسين قنطار من القيادة القومية لحزب البعث ود. محمد ضرغام من القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، دور في الموافقة على فتح مكتب الجبهة الشعبية في البحرين ومعها مكاتب لجبهة التحرير الوطني – البحريني في مبنى تابع لصحيفة البعث في التجهيز وتقديم بعض التسهيلات والمساعدات لمكتب بدءاً من 1978م حتى 1992م. ولكن كانت هناك قيوداً واجهها أبو أمل كغيره خصوصاً أنه لم يتردد على نسج علاقات مع القوى والعناصر السورية الديمقراطية السوريه التي تعتبر معارضة من قبل النظام. كما لم يتردد عن اشهار موقفه القومي إثر اصطفافات سوريا تحت راية الولايات المتحدة في حربها لإخراج صدام من الكويت أثر غزوه لها في أغسطس 1990م وبسبب ذلك جرى اعتقاله في سبتمبر 1990م وبقي في السجن حتى مارس 1991م .ونسجل للصديق العراقي حسن العلوي الدور الحاسم في إطلاق سراحه
العمل الوطني المشترك
أما الجانب الآخر في نضاله الوطني فهو عمله الدؤوب لتوحيد الصف الوطني بغض النظر عن الانتماء الأيدلوجي. كان هذا دأبه في داخل البحرين وخارجها. نذكر هنا جهوده أثر حل المجلس الوطني في 26/8/1975م لتوحيد موقف منظمات المعارضة الثلاث (الشعبية والتحرير والبعث) وصدور البيان المشترك والذي كان في المفترض أن يكون بداية تحرك منسق للمعارضة لكن ذلك تعثر.
وبعد أن تواجدت كوادر التنظيمين, الشعبية والتحرير في كل من دمشق وبيروت, فقد حرص على اللقاءات المشتركة لتنسيق المواقف والوفود المشتركة التي تكللت بصدور الوثيقة المشتركة في 1981م وشكلت الأساس للتنسيق والذي توج بقيام لجنة التنسيق المشتركة للجبهتين في عام 1984م للعمل المشترك في الإعلام والعلاقات الخارجية وإصدار النشرة المشتركة الأمل والتوحد في إطار لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين ولجنة السلم والتضامن البحرينية واتحاد الوطني لطلبة البحرين واتحاد عمال البحرين، وتنسيق المواقف والتمثيل المشتركه بين المنظمات الشبابية والنسائية قي المنظمات والفعاليات العربية والدولية. ونذكر هنا أن تنظيم البعث كان في إطار اتحاد الوطني لطلبة البحرين وقد استضاف مؤتمر الاتحاد في بغداد في عام 1978م كما أن التقارب مع البعث , حسث نذكر هنا جهود الصديق فيصل شهاب , قد أدى إلى فتح مكتب للجبهة الشعبية في البحرين إلى جانب جبهة التحرير الوطني البحريني في بغداد منذ 1977م حتى 1980م، حيث أدى الخلاف حول الثورة الإيرانية إلى إغلاق المكتبين وطرد الطلبة المحسوبين على الشعبية والتحرير من العراق واعتقال قياديين من جبهة التحرير.
ومع دخول الإسلاميين الشيعة ساحة العمل السياسي أثر انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في فبراير 1979م ورغم المواقف المتشنجة لهم ضد اليسار عموماً، فقد دأب أبو أمل إلى مد الجسور والتقارب خصوصاً مع الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين حيث تطور إلى علاقات تنسيقية بين التنظيمات الثلاثة الشعبية والتحرير والإسلامية وفي مرحلة التسعينات فقد اهتم بالعلاقة مع حركة أحرار البحرين، وأثمر عن تعاون بناء بما في ذلك طبع مطبوعاتهم (الكتاب السنوي لانتفاضة التسعينات وغيره) وزار لندن عدة مرات كما استقبل وفود الحركة في دمشق وبيروت.
ان التنسيق الذي تحقق وجمع الشعبية والتحرير والأحرار والإسلاميين قد أسهم في إعطاء زخم للحضور السياسي للمعارضة البحرينية في الخارج إقليمياً وعربياً ودولياً.
وبالتعاضد مع دور المنظمات الحقوقية والنقابية مثل لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في البحرين واتحاد عمال البحرين والاتحاد الوطني لطلبة البحرين ولجنة السلم والتضامن البحرينية والمنظمات الشعبية النسائية فقد عكست هذه المنظمات زخم المعارضة في التسعينيات. وكان التنسيق مع لجنة العريضة جيداً وتشكلت وفود مشتركة وتطورت العلاقات بين الداخل والخارج حيث كان أبو أمل في قلب هذه الاتصالات والمشاورات. وقد دفع بتطور الحوار الوطني الداخلي والذي أنتج وثيقة التجمع الوطني الديمقراطي، كأرضية لتنظيم اليسار الموحد المرتجى، لكن ذلك لم يتحقق وكان بيت أبو أمل مقر لتنظيم الجبهة الشعبية في البحرين فقد كان مؤئلاً للقاءات الوطنية، للجنة التنسيق، ولاجتماعات التنسيق المتعددة الأطراف ويستقبل الوفود والأشخاص القادمين من البحرين ومن المنافي والساحات الخارجية من مختلف الانتماءات والاتجاهات كما كانت تعقد به اجتماعات مع وفود وشخصيات صديقة وأملي أن يتحول بيت أبو أمل في حي المزرعة بدمشق إلى متحف لنضال شعب البحرين.
العودة إلى البحرين:
تمثل عودة أبو أمل إلى البحرين في 28 فبراير 2001م في ظل المرحلة الجديدة للانفتاح في عهد الملك حمد بن عيسى الخليفة مرحلة غنية من الإسهام الوطني لأبو أمل. لقد أسهم أبو أمل وهو في المنفى في الاستفادة من الارهاصات والتطورات في العهد الجديد الذي بدأ في 6 مارس 1991م وبالفعل فقد دفع أبو أمل بقوة للحوار الوطني للمعارضة نحو تشكيل تنظيم يساري موحد. كما أسهم في المشاورات حول مشروع ميثاق العمل الوطني وأستطيع التأكيد أنه قدم صياغات وملاحظات عديدة وتم إيصالها إلى أعضاء لجنة الميثاق القريبين من المعارضة (د. عزيز أبل، جاسم فخرو، حسن رضي، عبدالله الأيوبي وعبدالحسين عبدالغفار) وأسهم في حث جماهير المعارضة للتصويت بنعم للميثاق في ظل تأكيدات القيادة وعلى رأسها الملك . ومنذ اليوم الأول لرجوعه إلى البحرين في مرحلة واعدة بوضع نهاية لحقبة ممتدة من القمع وتدشين مرحلة جديدة من الانفتاح الواعد بإقامة نظام ملكي دستوري ديمقراطي فقد اغمس في عمليه التحول . نسجل هنا مقولتين لأبو أمل لا زالتا محل جدال وهما دعونا” (نحرق سفناً ونستمر في الطريق الجديد، طريق العمل العلني الجماهيري”. والمقولة الثانية “لقد وضعنا الأيدلوجية والجبهة الشعبية في الثلاجة”. بالطبع فقد أثار عدد من الانتهازيين كما ثبت لاحقاً لذلك قي محاولة النيل من أبو أمل , مزايدين عليه في حرصه على الجبهة الشعبية وتراثها. لكن الواقع هو أن متطلبات العمل الحزبي والوطني في ظروف العهد الجديد مختلفة عما كانت عليه في العهد الماضي, لذا انصب جهدً أبو أمل على تجاوز صيغة الجبهة الشعبية وأيدلوجيتها اليسارية، نحو العمل لإقامة تنظيم واسع لليسار الديمقراطي بمكوناته الشعبية والتحرير والبعث والوطنيين المستقلين والاسلاميين المستنيرين. وهكذا تحولت خيمته في بيته المؤقت في عراد الجديدة وخصوصاً لقاء الأربعاء إلى محفل وطني للنقاش.
لكن الرياح لم تجري كما تشاء السفن, وقد كان لوفاة الشخصية المحورية المرحوم جاسم فخرو واستيقاض العصبيات الحزبية القديمة، وعوامل أخرى، أسباباً لفشل المشروع ولكن ليس كلياً.
فقد دفع أبو أمل بأن تكون جمعية العمل الوطني الديمقراطي، تنظيماً وطنياً ذات توجهات اجتماعية يسارية مفتوحة لجميع الوطنيين وكانت أول تنظيم سياسي علني يشهر في البحرين والخليج وقد انتخب أبو أمل بالاجماع من قبل المؤسسين أميناً عاماً للمكتب السياسي والذي ضم شخصيات وطنية من خارج الجبهة الشعبية على امتداد الفترة ما بين 2001 – 2006 وفيثلاث دورات تحمل أبو أمل مسؤولية الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي، وأسهم في تحولها إلى تنظيم وطني عابر للطوائف والأيدلوجيات، وضمير الشعب البحريني ووريث تقاليده النضاليه وخصوصا هيئة الاتحاد الوطني, وشكلت قوه اساسيه في العمل الوطني، وصمدت أمام الحركات الانقسامية ومحاولات الاختراق والتخريب من الداخل، وهجمات أجهزة السلطة والتيار الإسلاموي السلطوي، وأضحت جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) تنظيماً راسخاً قوياً مؤثراً في الحياة السياسية.
وفي قمة عطائه أصر أبو أمل أن لا يترشح كأمين عام لوعد في مؤتمرها الثالث في عام 2006، ويسلم الأمانة للقائد الأسير إبراهيم شريف. فيما انتخب كرئيس لمكتب اللجنة المركزية، الذي أضحت في ظل قيادته جهازاً رقابياً وقيادياً مؤثرا للتنظيم.
أما الوجه الآخر لنضاله الوطني فهو في العمل لتوحيد قوى المعارضة الوطنية والإسلامية. وكان الشيخ علي سلمان يردد بعده دخول أبو أمل غيبوبته الطويلة” نفتقدك أبو أمل المحاور والمجادل والموحد للعمل الوطني”.وبالفعل فبفضل جهود أبو أمل والآخرين استقر التنسيق بين قوى المعارضة، تلك التي في البرلمان مثل (المنبر الديمقراطي) وتلك التي هي خارج البرلمان ,الديمقراطيه( وعد، التجمع القومي، التجمع الديمقراطي والأخاء) والإسلامية (الوفاق، والجبهة الإسلامية). وقد اختبرت هذه الوحدة في مواجهة التحديات وأصعب الظروف خلال الأحداث العاصفة التي لما بعد انتفاضة 14 فبراير 2011.
انفتح أمام أبو أمل مجال أرحب على أرض الوطن وفي ظل ظروف الانفتاح النسبي للعهد الجديد، وتفتحت طاقاته الخلاقة في كل مكان. ورغم تاريخ طويل من المعاناة على يد النظام والمنافي القاسية، فقد كان مؤمناً بفتح صفحة جديدة، وعمل جهده للإسهام في التجربة وإمكانية انتقال البحرين من نظام حكم العائلة الواحدة الإستبدادي إلى حكم ملكي دستوري .أذكر هنا اللقاء الذي جمعنا (قيادات الشعبية والتحرير العائدين من المنفى) مع جلالة الملك ومستشاريه في يونيو 2001م في قصر الصافرية. وكان لقاءاً مطولاً وصريحاً تناول دروس الماضي وآفاق المستقبل. وكان أبو أمل صريحاً في معارضته لسياسية التجنيس السياسي وفي محاولة الإلتفاف على الميثاق، وفي التأكيد على عدم التفرقة بين أبناء الشعب طائفياً وسياسياً. ثم موقفه النبيل عندما عرض عليه وباقي القيادات البيت والمال لتأثيث البيت. فرفضناه معاً مع الشكر لصاحب المبادرة، لأننا لا نقبل إلا أن نكون آخر المستحقين. عاش في شقة صغيرة في أم الحصم قبل أن يقتني بيتاً عادياً في قلالي، والذي أضحى محجاً للرفاق والأصدقاء والزائرين. البعد الثالث هو عمله وسط الجماهير. نذكر هنا أثر قرار قوى المعارضة بالدخول في الانتخابات النيابية لعام 2006، أن ترشح على قائمة وعد إلى جانب إبراهيم شريف ود. منيرة فخرو وسامي سيادي وعلي صالح. ترشح في منطقة تجمع بين قلالي والمحرق، حيث للنظام فيها نفوذ . وأذكر أن أحد المرشحين في تنظيم الأخاء انسحب طوعاً، فيما بقي مرشح التيار السلفي محمد أبو الفتح ولم تكن الحملة الانتخابية لأبو أمل حملة محلية بل وطنية بامتياز .فقد تحولت مهرجاناته الانتخابية لمهرجانات وطنية حاشدة يهفوا اليها أهل البحرين من أقصاها لأقصاها وتتمثل فيها مختلف مكونات شعب البحرين كما تطوع لحملته الانتخابية العديدين من خارج وعد، وتناوب على المنصة شرفاء من أبناء الوطن من مختلف الاتجاهات. كما أن أبو أمل لم يكن يتناول في حملته مطالب دائرته لوحدها بل مطالب شعب البحرين. بل أن العديد من الشخصيات الخليجية كانت تأتي خصيصاً لحضور ندوات الحملة الانتخابية لأبو أمل. عندما طرح عليه أحد الأصدقاء محذراً بأن فشله في الانتخابات سيهز صورته القيادية رد بالقول “أنا هنا بالأساس لطرح خط وعد، وطرح المطالب الوطنية وليس للفوز”. ورغم أن السلطة زجت بكل إمكانياتها لإسقاطه وإنجاح خصمه أبو الفتح، واستخدمت الحملات الإعلامية المشوهة والكاذبة وحجبه عن الإعلام, إلا أن حقق تقدماً واضحاً على خصمه في مركز الاقتراع الأساسي، لكن السلطة استخدمت أصوات مراكز الاقتراع الفرعية التي تتحكم فيها لاسقاطه كما أسقطت سائر الوطنيين من مرشحي الجمعيلات الديمقراطية المعارضة.
بعد حملة انتخابية منهكة، بدأت المتاعب الصحية. لقد كان يشكو من التهاب في الركبتين وكان المطلوب أن يستريح ويخضع للعلاج ولكنه لا يهدأ. وهكذا ذهب في مهمة قومية إلى دمشق وبيروت والقاهرة وانتهت بالرباط، حيث تفجرت المرارة، وتسربت سمومهاً إلى الدماغ ليدخل في غيبوبة استمرت من أبريل 2007م حتى سبتمبر 2011 وكان وهو في غيبوبته وفي مختلف محطات العلاج في الرباط وفي الرياض وفي البحرين قبلة محبيه من البحرين والعرب، يذهبون إليه حيث ما يكون وظل بيته في رعاية أم أمل موئلاً للمحبين الذين يصرون على زيارته ويحدثونه عن همومهم ويشكون إليه أحوالهم، وهو يحدق في عيونهم عاجزاً عن الكلام. حتى وافته المنية في سبتمبر 2011والبلاد في حالة انكسار بعد نشوة 14 فبراير 2011م واغتيال الحلم.
ولما كان في حياته جامعاً للوطن والعرب، فقد كان في مماته جامعاً لهم أيضاً. فبالرغم من ظروف الفرقة والانقسام فقد تحولت الشيعة لتظاهرة وطنية وتحول مجلس عزاءه على امتداد في صالة جمعان بالمحرق إلى ملتقى لأبناء الوطن الذين باعدت بينهم الدروب. كما شارك في التعزية العديد من رفاق النضال من مختلف البلدان العربيه. ومرة أخرى ومن خلال تأبينه في أربعينيته في البحرين وبيروت وعمان ولندن، ثم في تأبينه بمناسبة مرور عام على وفاته وأخيراً ندوة البحرين التي عقدت في سبتمبر الماضي، وندوة بيروت المكرسة لفكره ونضاله التي نشارك فيها، فهو بعض الوفاء للراحل المناضل الكبير عبدالرحمن النعيمي (سعيد سيف) أبو أمل الذي عاش للآخرين ناكراً لذاته.
فتحية للمناضل عبدالرحمن النعيمي لتظل حياته شاخصة أمامنا وفكره منيراً لنا لنكمل الرسالة ونسير على الدرب الذي سلكه درب النضال والكبرياء والحرية.