تحية للمناضل المعلم عبدالرحمن النعيمي
أود أولا تقديم شكري الجزيل إلى السادة منظمي هذا المنتدى المنعقد باسم الصديق الكبير المرحوم عبدالرحمن النعيمي، الذي عرفته صديقاً صادقاً، عميق الفكر، بعيد النظر، يفيض بالمودة والحب لمن حوله، وقد تعلمت منه الكثير منذ أن حظيت بالتعرف عليه في عام 1981م. أبو أمل واحد من أعظم رموز الإصلاح في منطقتنا ومن أصلب المكافحين من أجل المقهورين والمستضعفين. أوجه اليوم وفي كل يوم، التحية، لذكراه الباقية معنا، لروحه الخالدة في قلوبنا وعقولنا.
الجذر التاريخي للمشكل الطائفي: انعدام الإجماع الوطني
ورقة الدكتور توفيق السيف
ملخص المقالة:
تجادل هذه المقالة بأن الانقسام الطائفي المشهود في العالم العربي اليوم، هو الوجه الظاهر لعلة متأصلة في بنية المجتمع العربي، تتمثل في تحول التنوع الطبيعي الذي يوجد في كل مجتمع، إلى انقسام محدد وراسخ في بنية المجتمع. هذا الانقسام هو العامل العميق الذي تظهر مفاعيله بصور جلية في ظروف التأزم، فيلبس الرداء الديني في بلد والمذهبي في آخر والطائفي أو العرقي أو القبلي في غيرها.
فيما مضى، عاشت المجتمعات العربية نوعاً من الإجماع النسبي، تمثل في تقبل المجتمع للدولة بكل سيئاتها وحسناتها، دون طموح للمشاركة في القرار. وهذه حالة الدول القديمة جميعاً. التحديث الاقتصادي وانفتاح المجتمعات العربية على أسواق العالم أدى إلى تفكك الإجماع القديم، وسمح بظهور ثقافة جديدة وطبقات اجتماعية جديدة، الأمر الذي أوجد حاجة إلى إعادة صياغة الإجماع الوطني، على أسس تستجيب للتحولات التي جرت في هذه المجتمعات وفي محيطها والعالم. لكن حكوماتنا لم تدرك أهمية هذه الحاجة أو ربما تغافلت عنها. وعندما واجهتها تحديات داخلية أو خارجية، عالجت مصادر الخطر فيها بتحويل الروابط التقليدية السابقة للدولة (القبلية، الطائفية.. الخ) إلى بطاقات دخول تجاه عالم الفرص والامتيازات التي تتوفر في مؤسسة الدولة أو عبرها. أو على العكس: بطاقة خروج للانتقال إلى الهامش، الأمر الذي شحن الهويات الفرعية بمضمون سياسي (موالاة / معارضة)، وأدى مع مرور الزمن إلى تجويف الهوية الوطنية وتقسيم الاجتماع السياسي إلى دوائر شبه مقفلة تعرف بهوياتها السابقة للدولة.
تجادل المقالة أيضاً بأن العلاج الوحيد للانقسام وتمظهراته المختلفة يكمن في إعادة بناء الإجماع الوطني على أرضية جديدة. تتألف من ثلاثة عناصر رئيسية، هي:
أ) الانطلاق من مبدأ شراكة جميع المواطنين في ملكية تراب وطنهم باعتبارها المصدر الذي تستمد منه حقوقهم المدنية.
ب) سيادة القانون، كضمان للمساواة والشفافية، وتمتع المواطنين بحقوقهم.
ج) النظام الديمقراطي كوسيلة لإدارة الاختلافات ونزاعات المصالح.
الجذر التاريخي للمشكل الطائفي: انعدام الإجماع الوطني
د. توفيق السيف
حين تذكر كلمة “الطائفية” في العالم العربي في أيامنا هذه، فان الذي يتبادر إلى الذهن في الوهلة الأولى هو الانقسام الحاصل بين الشيعة والسنة. وقد كتب وقيل الكثير في وصف هذا الانقسام، حتى أصبح التعبير قرينا بالمجتمعات التي تتألف من اتباع المذهبين.
لكني أرى أن الوصف الديني/ المذهبي مجرد عنوان أو رداء خارجي مضاف لحقيقة أعمق، جوهرها انعدام الإجماع الوطني، الذي يصعب التعبير عنه في عنوان محدد، ولهذا يحتاج إلى “تلبيسة” مما يألفه الناس فيتقبلونه. انعدام الإجماع الوطني هو الذي تسبب في تمزق ليبيا وانزلاقها إلى حرب أهلية لا تزال مشتعلة منذ 2011م، وهو سبب بروز الامازيغية كهوية متعارضة مع العروبة في الجزائر، وهو الذي قاد إلى انفصال جنوب السودان، وهو الذي يبرر محأولة أكراد العراق التحول من كيان فيدرالي إلى دولة مستقلة، وهو الذي يبرر دعوة فريق من سكان جنوب اليمن إلى ما يسمونه “فك الارتباط” أي انفصال جنوب اليمن عن شماله، ومثله النزاع العرقي في موريتانيا، وهذا هو جوهر المشكلة الطائفية في مصر وسوريا ولبنان ومعظم البلدان العربية الأخرى.
في معظم البلدان التي سردت أسماءها لا يوجد نزاع شيعي- سني كما هو الحال في العراق والخليج مثلاً. لكن الانقسام الحاصل هناك لا يختلف من حيث التعبيرات والأسباب عما نشهده هنا.
يمكن – كما جرت العادة – إطلاق تفسيرات سهلة وانطباعية مثل إلقاء مسؤولية النزاع على اشخاص أو أحزاب أو دول أجنبية. لكن هذا لا يفيدنا بشيء ولا يساعد في معالجة الانقسام الذي نشعر بخطورته ونرى انعكاساته الكارثية.
يهمني الإشارة أيضاً إلى أن نفي الجوهر الديني/ المذهبي للانقسام أو تقليل أهميته، لا يعني أبداً ولا ينبغي أن يفهم كإنكار للعامل الديني/ المذهبي في النزاع. فالمقصود بشكل محدد هو البحث عن العوامل التي تشكل ما يسميه أهل المنطق بالعلة الكاملة، أي السبب الذي يكفي بذاته لجعل التنازع احتمالاً قوياً، سواء لبس النزاع رداء دينيا أو قبلياً أو طبقياً أو إثنياً أو غيره، وسواء تجسد في صراع مسلح أو توقف عند حدود انفصال الطرفين أو الأطراف المتنازعة وانكفائها على نفسها.
أهمية الإجماع الوطني
انهيار الوحدة الوطنية في دول عديدة، سيما منذ العام 1991م يثير العديد من الأسئلة الضرورية حول الدواعي التي تجعل مجتمعات تعايشت لعقود طويلة، تميل فجأة إلى الإنفصال عن بعضها. مصير جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق ودول البلقان، طرحت إشكالاً جدياً على مفهوم الوحدة الوطنية، والعلاقة التبادلية بين النظام السياسي والوحدة. هذا السؤال نفسه يطرح علينا في العالم العربي، بعد انهيار الوحدة في معظم الدول العربية التي وصلت إليها رياح “الربيع العربي”. من المفارقات المثيرة للاهتمام أن الدول العربية التي كانت أكثر اهتماماً بفكرة الوحدة وتنظيراً لها، هي بالذات الدول التي تمزقت وحدتها فور أن ضعف النظام الحاكم أو انهار، وأعني هنا سوريا والعراق وليبيا واليمن.
تتحدث دساتير الدول العربية والإسلامية عن مجتمع واحد وحقوق متساوية لجميع مواطنيها، بغض النظر عن أديانهم أو مذاهبهم أو أعراقهم القومية. لكن الوضع على الأرض بعيد جداً عن هذه الصورة الوردية . إذ لا يخلو بلد عربي من تنازعات بين مكوناته الدينية أو المذهبية أو القبلية أو الإثنيّة. في كل بلد ثمة شريحة أو أكثر تشكو من أنها محرومة من التمثيل المناسب في مؤسسة الدولة، أو أن حقها في التعبير عن هويتها وثقافتها الخاصة مقيد أو مغفل.
إلى ذلك، تتميز الدولة الشرق أوسطية بمركزية شديدة، فالشؤون الوطنية وتوزيع الموارد المشتركة تدار كلياً من العاصمة، وتخضع تماماً لهيمنة النخبة المقيمة فيها. هذه النخبة مهمومة بالأمن والسيطرة، ولهذا فهي تنظر إلى كل “مختلف” باعتباره غريباً أو مصدراً محتملاً للتهديد، أو حتى كثغرات محتملة للمشكلات الواردة من وراء الحدود. ويكشف التعامل مع الأقليات مثلاً عن شيوع هذا الفهم بين النخبة، سيما في ظروف الأزمات. ولن تعدم مثقفاً بارزاً أو رجل دين بارز يضفي على هذا الفهم رداء دينياً كي يتحول إلى مسلمة لا تقبل النقاش[1]. وفي هذا السياق فليس ثمة فرق جوهري في موقف الحكومة الوطنية من البلوش في إيران أو الاقباط في مصر، كما يتساوى أكراد سوريا مع سكان جنوب السودان.
دعنا ننظر إلى تجارب معاكسة في دول تفتقر إلى جميع المقومات “الطبيعية” للوحدة، لكنها مع ذلك حافظت على وحدتها، وازدادت قوة. وأبرز الأمثلة هي جمهورية الهند. يصل عدد سكان الهند إلى 1.27 مليار نسمة، ويعترف الدستور الهندي بــ 21 لغة إضافة إلى الإنكليزية. وهناك عشرات أخرى من اللغات واللهجات المحلية. ويرجع الشعب الهندي إلى أعراق عديدة. ومع أن هناك خمسة أديان رئيسية، إلا أن عدد الديانات والطوائف القائمة فعلاً تعد بالعشرات.
الواضح أن اختيار الهند للنظام الديمقراطي هو الذي جنبها الانقسامات والنزاعات الداخلية التي أصابت جيرانها. ووفر لها الاستقرار اللازم كي تنهض اقتصاديا ًوسياسياً. بينما تتخبط جارتها باكستان في الأزمات منذ أن تدخل الجيش في الحياة السياسية عام 1958 وحول الدولة إلى ملعب للأقوياء. لم يتخل الهنود عن أديانهم وخصوصياتهم الاجتماعية. كل الذي فعلوه هو الإجماع على نظام للعلاقة بين فئاتهم المتمايزة، إجماع على تعريف نظامهم السياسي، وكيفية إدارة التعارضات المحتملة بين المصالح.
الولايات المتحدة الأمريكية مثال آخر على أهمية الإجماع. يزيد عدد سكان هذا البلد عن 300 مليون. هاجروا إليه من كل أصقاع العالم. وقد حمل كل منهم ثقافته ودينه ونظام معيشته وتطلعاته. لكنهم جميعاً اتفقوا – أو تقبلوا اتفاق من سبقهم – على نظام محدد يصف هذا المجتمع السياسي الجديد، ويصف العلاقة بين أفراده. الأكثرية الساحقة من المهاجرين اختاروا هذه الأرض تحديداً، لأن نظامها يكفل الحرية وتساوي الفرص للجميع. هذا نظام أراده الجميع ورضوا به، وصنعوا من خلال إجماعهم عليه ما يعرف بالحلم الأمريكي الذي يرمز للقوة والتقدم والنجاح في الحياة.
زبدة القول أن الوحدة الثقافية والاجتماعية – بالمفهوم القديم – ليست شرطاً للاستقرار السياسي. شرط الاستقرار والسلامة الوطنية هو وجود فهم مشترك بين المواطنين لطبيعة الرابطة التي تجمعهم، العلاقة فيما بينهم، إضافة إلى نظام مقبول لتوزيع الحقوق المتاحة في المجال العام وما يقابلها من الكلف والواجبات عليهم. وهذا ما نسميه “الإجماع الوطني”.
أرضية الانقسام الاجتماعي:
توصلت دراسة لمركز الخليج لدراسات التنمية إلى أن الانقسام الطائفي بات ظاهرة عامة ومصدر قلق لجميع المواطنين في دول مجلس التعاون الخليجي.[2] وتحوي الدراسة على تفصيلات مثيرة للاهتمام، رغم أنها في المجمل تؤكد الانطباع الذي يمكن استخلاصه بسهولة من الصحافة المحلية ووسائل التواصل الاجتماعي والملاسنات السياسية اليومية.
تتبلور الظواهر الاجتماعية في سياق ممتد زمنياً ومتعدد الأبعاد. الانقسام الطائفي الراهن في الخليج، أو الانقسام الاجتماعي بشكل عام، ليس بالتأكيد وليد اللحظة، ولا هو انعكاس لانتصار الثورة الإيرانية أو الاجتياح الأمريكي للعراق أو انفجار الثورة في سوريا، كما يحاول بعض الكتاب الإيحاء به، على رغم أن هذه العوامل ساهمت جميعاً في تحديد اتجاهااته الراهنة أو توقيت بروزه على نحو متفجر.
تنطوي المجتمعات العربية على قدر معتبر من التنوع، وتضم عدداً كبيراً نسبياً من المجموعات الإثنيّة والدينية والمذهبية[3]. لا يوجد بلد عربي واحد يتألف من وحدة واحدة. والحق أن هذا سمة كونية، فليس في العالم كله دولة يمكن اعتبار مجتمعها طيفاً واحدا متشابها في كل أو معظم الصفات. وتخبرنا دراسات التحول الديمقراطي أن التعددية وما يترتب عليها من اختلاف في المصالح والآراء، ضرورة للتطور السياسي ولا سيما الانتقال إلى الديمقراطية. ومن دونها فإنه من العسير إقامة ديمقراطية راسخة الجذور وذات معنى[4]. بعبارة أخرى فإن تنوع الانتماءات والمصالح والآراء يمكن أن يستخدم كعامل مساعد للتطور الاجتماعي والسياسي. تحول التنوع إلى عامل مؤثر أو مساعد على توليد ظاهرة الانقسام أو العكس، يرجع إلى سببين رئيسيين: الثقافة السائدة والتجربة التاريخية للمجتمع.
أ- الثقافة العامة السائدة في المجتمع.
المجتمعات التي يسودها التسامح، تتعامل مع الاختلافات الثقافية والعرقية كحالة إنسانية طبيعية، وأن التعبير عن مقتضياتها حق طبيعي أصلي. وفي المقابل فإن المجتمعات المفتونة بنفسها، تنظر لقناعاتها وموروثاتها كتعبير وحيد عن الحقيقة المطلقة. ولذا فهي ترى من لا يماثلها في مرتبة أدنى من حيث القيمة أو الحقوق. الجماعات التي تحمل هذا النوع من الثقافة تكون في الغالب منغلقة وشديدة التمسك بالتقاليد، وهي تفسر الوحدة الوطنية في معنى التماثل التام، تضيق بالاختلاف في الانتماءات والمصالح والأفكار، وتتعامل مع وجود المختلفين كمشكلة[5].
ب- التجربة السياسية التاريخية:
تعرف السلطة السياسية في الدولة الحديثة كممثل للمجتمع، ومفوض من قبله في إدارة مصالحه وتنظيم الأمور المشتركة بين أبنائه. بخلاف المعنى الذي كان سائداً حتى نهاية القرن التاسع عشر، الذي نظر إلى السلطة كغنيمة وحق شخصي للحاكم وعائلته أو التحالف الذي يرأسه. كان هذا المفهوم سائداً في الدول القديمة جميعاً، ومن بينها الدول التي عرفها العالم العربي. خلافاً لمعظم مجتمعات العالم التي أخذت بالمفهوم الجديد، فإن النخب القوية في العالم العربي لا تزال تتوارث المفهوم القديم، يستوى في هذا النخب التقليدية والحديثة. إن التراث الإسلامي المليء بأخلاقيات الحكم والعلاقة بين الناس، لم يتطرق إلى المفاهيم الأساسية التي يؤمن بها عالم اليوم مثل ملكية الناس لتراب وطنهم وكون حقوقهم منبثقة من هذا الملك، ومثل مفهوم المجتمع التعاقدي وكون الإدارة السياسية جزءاً من مفهوم العقد ووكيلاً للمجتمع مفوضاً من قبله، وأمثال ذلك من المفاهيم التي تعتبر من مسلمات السياسة في عالم اليوم.
الميل إلى اعتبار السلطة غنيمة لمن غلب مستمد من خلفية تاريخية عميقة الجذور في الثقافة العربية[6]. فتراثنا يخبرنا أن الدولة هي دولة بني أمية أو بني العباس أو بني هاشم وليست دولة المواطنين. وصاحب الدولة ليس ممثلاً للشعب أو كيلاً عنه ولا هو مدير لمصالحه، بل سيده المهيمن عليه. وأن وظيفته الكبرى ليس تمثيل المجتمع وإدارة مصالحه، بل حماية النادي السياسي من محاولات الآخرين للنفاذ إليه أو المشاركة فيه.
الطائفة / القبيلة / الجنس / العرق كهوية سياسية
تفاقم الانقسام الاجتماعي يثير جملة من الأسئلة التي يجب أن تطرح في المجال العام، كي نجد لها علاجاً مناسباً، أو على أقل التقادير من أجل وضعها في إطارها المحدد، كي لا تتمدد فتتحول إلى معضلة. أبرز تلك الأسئلة في ظني اثنان:
- لماذا يميل بعض الناس للانكفاء إلى هوياتهم الفرعية، الدينية أو المذهبية أو القبلية أو الإقليمية أو العرقية؟.
- لماذا يبالغ هؤلاء في تعظيم تلك الهويات، وجعلها مساوية أو ربما متفوقة في الأهمية والحيوية على الانتماء الوطني والهوية الوطنية الجامعة؟.
الجواب على كلا السؤالين يتلخص في جملة واحدة: العزل يولد الهوية، واكتشاف الذات في الهوية الجديدة يدفع لتعظيمها كجزء من تعظيم الذات. طبقا لرأي د. برهان غليون فإن تصنيف مجموعة من المواطنين باعتبارهم “فريقاً آخر”، يؤدي بالضرورة إلى تفاوت بينهم وبين البقية في توزيع المنافع العامة والأعباء. وهذا يقود غالباً إلى تعميق الفوارق، وترسيخ الانفصال الشعوري والثقافي عند الفريق المستبعد، بحيث تتحول عناصر التمايز الخاصة به (مثل الانتماء إلى قبيلة أو طائفة أو عرق أو منطقة محددة) إلى مبررات لهوية بديلة عن الهوية الوطنية، وتأسيس أرضية للصراع مع الدولة، أو مع الشرائح الاجتماعية المختلفة[7].
حين تحرم شخصاً من حقوق متاحة لغيره، لا لسبب غير انتمائه لإطار اجتماعي مختلف، فإنك في حقيقة الأمر ترسم الخريطة الأولية لتحويل هذا الانتماء إلى هوية متمايزة عن الهوية الوطنية أو حتى متنافرة معها. وقد أصاب مارتن ليبست في ملاحظته بأن الميول الاقصائية في بنية المجتمع، تؤدي غالباً إلى تمهيد الطريق لظهور نزعات سياسية متطرفة. حيثما عملت البنية الاجتماعية على نحو يعزل الأفراد أو الجماعات التي تملك نفس الرؤية، أو يحول دون التواصل الفعال بينهم وبين الذين يختلفون معهم، فإن الأفراد المعزولين سيميلون إلى دعم المتطرفين السياسيين.[8]
رؤية الإنسان لنفسه وعلاقته مع المحيط، أي هويته الفردية، لا تتشكل في خط مستقيم، كما رأى اريك اريكسون. تتشكل الهوية كمحصلة للتفاعل بين حاجات الفرد ورد فعل المحيط على تلك الحاجات، أي بين ما يريده هو وما يتصوره لنفسه، وبين ما يحصل عليه فعليا[9]. ويزداد تأثير العوامل السلبية – كما رأى أمين معلوف – حين يكون الفرد أو الجماعة التي ينتمي إليها في أزمة أو نزاع مع الأطراف الأخرى، وبالخصوص حين يكون في الطرف الضعيف الذي يتعرض للعدوان، ذلك إننا “غالباً ما نتعرف إلى أنفسنا في الانتماء الأكثر عرضة للتهجم”[10].
يكتشف الفرد ذاته المختلفة والمتمايزة، حين يصبح انتماؤه الاجتماعي مبرراً لعقابه. أي حين يكتشف أنه مواطن غير مقبول. عندها يتخذ التفكير في الهوية السابقة للدولة الوطنية، شكل البحث عن الذات الحقيقية التي لم تجد نفسها في المواطنة[11]. ويلعب التواصل الكثيف بين أعضاء الجماعة الثقافية أو الإثنيّة الواحدة، دورا ًفعالاً في إضافة روابط جديدة تعزز العلاقة بين أعضاء الجماعة. ونستذكر في هذا الصدد الرأي الشهير لأندرسون الذي أرجع ظهور الهويات المعاصرة إلى انتشار الطباعة. طبقاً لهذا الرأي فإن التواصل عبر الثقافة المكتوبة، أنشأ مجالات مشتركة لم تكن معروفة قبلئذ، ولفت أنظار الناس إلى الصفات والتجارب التاريخية التي تشكل عامل اشتراك حيوي فيما بينهم، وعامل تمايز عن الأخرين. ساهمت وسائل الاتصال الجمعي أيضاً في توحيد تعبيرات الجماعة عن ذاتها. وأعادت صياغة وعيها بتاريخها وذاتها. وبصورة إجمالية فإن تلك العوامل وفرت الفرصة لاكتشاف صورة ذهنية مشتركة، ترسخت مع مرور الزمن كذات جمعية حقيقية لا تقبل الجدل.[12]
الانقسام كمشكلة بنيوية في الدولة العربية
نقرأ تحليلات كثيرة عن أسباب تصاعد الموجة الطائفية، كما في العراق والخليج، والقبلية – المناطقية كما في السودان وليبيا، معظمها يحمل المسؤولية على قوى خارجية تريد تقسيم العالم العربي لتسهيل التحكم فيه. لكن السؤال الذي لا يطرح عادة هو: على فرض القبول بمسؤولية العامل الخارجي، لماذا يبدو الطريق سهلاً أمام الأجانب، ولماذا تنجح محأولاتهم في بعض البلدان ولا تنجح في غيرها؟.
حقيقة الأمر أن قابلية أي مجتمع للانقسام، مثل قابليته للاستعمار والاستبداد، هي محصلة لعناصر ضعف وخطوط انكسار في النظام الاجتماعي نفسه. النظام الاجتماعي مثل البشر يضعف ويقوى كانعكاس لتفاعله مع المحيط الخارجي والنشاطات التي تجري في داخله.
يجب القول هنا أن معظم المجتمعات العربية كانت تعيش نوعاً من الإجماع والانسجام الداخلي. وهو أمر كان مشهوداً حتى أواخر الربع الثالث من القرن العشرين. لكن الأمور تغيرت منذئذ، ليس لأن الأجانب بدأوا في التدخل، بل لأن المجتمعات العربية ذاتها بدأت في التحول، كما أن العالم المحيط بها بدأ يتغير، على نحو لم تعد معه أسس الإجماع القديم قابلة للصمود.
قام الإجماع القديم على قاعدة انفصال الدولة عن المجتمع، بمعنى أن الشأن العام بكل تفصيلاته كان يدار من جانب نخبة محددة، ربما تكون حزباً أو عائلة حاكمة أو تحالفاً لقوى محددة، أي أقرب ما يكون إلى ناد مغلق. وكان بقية المواطنين يعيشون حياتهم من دون اهتمام أو تطلع إلى دور في صناعة القرار. وهذا للمناسبة كان حال معظم المجتمعات الشبيهة للمجتمعات العربية في ما يسمى بالعالم الثالث.
حظيت الزعامات العربية التي حكمت منذ منتصف القرن العشرين بشعبية لا بأس بها، نعرف هذا عن جمال عبدالناصر بعد انقلاب 1952م وعبدالكريم قاسم بعد انقلاب 1958م والحكم السوري بعد الوحدة مع مصر في 1958م والمشير السلال رئيس اليمن بعد قيام الجمهورية في 1962م ومثلهم معظم حكام دول الخليج. واظن أن معظم المجتمعات العربية كانت تعيش على أمل أن يقود هؤلاء الزعماء تحولاً شاملاً في علاقة المجتمع بالدولة، مشابها لذلك الذي جرى في البلدان المتقدمة.
كان المفترض أن تتلاشى الانقسامات القبلية والإثنيّة والطائفية، بتوسيع قاعدة النظام السياسي، اشراك الجمهور في العملية السياسية، تشجيع تبلور النخب الحديثة، وقيام حكم القانون الذي لا يشعر معه الناس بالحاجة للاحتماء بقبائلهم وحواضنهم التقليدية. لكن النخب السياسية الحاكمة أخذت اتجاهاً معاكساً. فقد عملت – في بعض الأحيان – على تجريد مكونات المجتمع من قواها وروابطها الداخلية، دون أن تسمح بظهور بديل. وعملت – في أحيان أخرى – على تعزيز الروابط التقليدية التي تشكل سوراً حامياً لسلطتها. لاحظ النقيب دليلاً على الترابط بين النفوذ السياسي والتنظيم القبلي في العراق، حيث تظهر احصائيات عن عام 1951م أن سبعة من شيوخ القبائل وأبنائهم كانوا يملكون 53 بالمائة من الأراضي الصالحة للزراعة في وادي دجلة الجنوبي[13]. وقد بقي المضمون السياسي للعلاقات القبلية قوياً في العراق حتى في ظل حكم حزب البعث العربي الاشتراكي الذي طالما قدم نفسه كحزب علماني معاد لنظام العلاقات التقليدية.[14]
هذا لا يعني بالضرورة أن نظام الحكم تحول إلى نظام قبلي. بل يعني تحديداً أن النخبة تستعمل الهوية الوطنية حينا، والهويات الفرعية حيناً آخر، بحسب حاجاتها الخاصة. الدولة التسلطية، كما رأى النقيب، تريد فقط أن تكون بديلاً عن مؤسسات المجتمع المدني، وتسعى كي تصبح الرابط الوحيد بين العشائر والقبائل والملل والعائلات، التي تضم مواطنين مفتتين إلى ذرات، تحركهم مصالهم الآنية أو غريزة النجاة بالذات. الأمر الذي يحول المواطن من فاعل سياسي إلى مجرد مستهلك. هذا السلوك السياسي الذي لا يخلو من ذكاء ومغامرة، منح النخبة فرصة نادرة لإدارة الشتات الاجتماعي، ولعب دور الوسيط بين الجماعات المتنافسة التي لا تثق في بعضها. ومكنها من البقاء مستقلة عنهم جميعاً. لكنه – في الوقت نفسه- جعل الفساد السياسي جزءاً عضوياً في تركيبة السلطة، التي أصبحت – بسبب السلوك السابق – هدفاً للغزو والاغتنام، فمن يسيطر عليها أو يدخل ناديها يملك مفاتيح القوة والثروة والجاه[15].
بصورة عامة، فقد تعاملت الدولة العربية مع الناس جميعا كأتباع للنخبة، يخضعون لمراداتها وأهوائها وليس للقانون. ولم يسمح لأحد من الناس بالتعبير عن رأيه أو إرادته أو مطالبه الخاصة، خارج الحدود التي تضعها النخبة أو تسمح بها. وقد لاحظنا نماذج من هذه المسارات في ليبيا والعراق وسوريا واليمن ودول الخليج.
زبدة القول أن علاقة المجتمع العربي بالدولة اتخذت نموذج الزبائنية patron-client، حيث تنحصر مصادر القوة والسلطة في فرد واحد أو عدد محدود من الأفراد في قمة الهرم، ومن حوله دوائر عديدة من النخب المنفصلة عن بعضها، والتي تتمتع بأفضلية الوصول إلى بعض مصادر القوة، بينما تتنافس على نيل رضا السادة الكبار للحفاظ على ذلك المكسب[16]. طبقاً لشرح الأيوبي فإن مصطلح “الزبائنية” يصف العلاقة غير الرسمية التي يتم فيها تبادل الخدمات (وبعض السلع) بين اناس ذوي مواقع غير متكافئة. أنه أشبه بمعادلة يتبادل فيها الطرفان ولاءً غير مشروط بمكافآت مادية، لا يمكن الحصول عليها – عادة – في ظروف تنافسية مفتوحة أو متكافئة[17].
حرب رمضان المبارك (أكتوبر 1973) كانت فرصة عظيمة لجبران الأخطاء السابقة. فقد توحد العرب جميعاً وراء حكوماتهم، أملاً في أنها ستنجز الحل المنشود للقضية الفلسطينية وتعيد التفاعل المفقود بين المجتمع والدولة. وتعزز الأمل في السنوات التالية مع ارتفاع أسعار البترول، التي وفرت للمجتمعات العربية فرصا نادرة للنمو الاقتصادي واجتثاث الفقر، والانتقال إلى عصر الحداثة في كل مجال. لكن مسار ومصير هذه الفرصة لم تكن بأحسن من سابقاتها.
تحقق للعالم العربي الكثير على مستوى النمو الاقتصادي. لكن حكوماته أخفقت في إدارة إفرازات النمو، ولم تضع الإطارات القانونية والسياسية المناسبة لاستيعاب الحراك الاجتماعي الذي يترتب بشكل طبيعي على النمو الاقتصادي.
انعكاسات التحديث
في دراسة سابقة حول قضايا التحديث والتنمية، جادلت بأن نظرية التنمية الكلاسيكية التي طبقتها دول الشرق الأوسط، تقوم على فرضية ميكانيكية نوعاً ما، فهي تتعامل مع الانقسامات الاجتماعية كحالات مستقرة أو ساكنة، وتعالج عملية التغيير كما لو كانت تبديلاً موضعياً لعناصر مادية، لكن التجربة أظهرت أن الانتقال من حال الانقسام إلى الاندماج، لا يشبه أبداً تبديل قطع الغيار في سيارة عاطلة، بل هو أشبه بالعلاج النفسي الذي ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مختلف الظروف المحيطة بالمريض، من نظامه الغذائي إلى ثقافته إلى مستواه المعيشي، فضلا ًعن علاقته مع المحيطين به في البيت والعمل والمجتمع[18].
يؤدي تيار التحديث غالباً إلى تغيير في توزيع مصادر القوة، قيمة الفاعلين السياسيين، منظومات القيم، والثقافة السياسية، وتبعاً لذلك تدهور مقومات الإجماع الموروث. وفي المرحلة الانتقالية، تتبلور هذه التحولات على شكل انقسامات جديدة، أو اكتساب الانقسامات التقليدية مضموناً سياسياً. هذا يستدعي بذل جهد استثنائي لإعادة توليد الإجماع ضمن مدى زمني ملائم بالاعتماد على الطبقات الحديثة. تتسم المرحلة الانتقالية بكثرة الالتباسات والتحولات الحياتية والقيمية، التي تجعل النظام السياسي والاجتماعي برمته على المحك[19]. وينقل د. محمد الرميحي نصاً مثيراً للاهتمام عن المقيم السياسي البريطاني في البحرين شارلز بيلغريف، يكشف انعكاس التحديث على روحية الجمهور:
“لقد تساءلت مراراً فيما اذا كان هذا التعليم قد أساء إلى الناس في البحرين أكثر مما خدمهم. ففي كل سنة يصبح قسم من الأهالي متعلمين إلى الحد الذي يمكنهم من القراءة والكتابة، لكني لا أعتقد بأن هؤلاء أصبحوا أكثر سعادة مما كانوا في الماضي”.[20]
ليس مهماً الآن التساؤل عن العوامل الأكثر تأثيراً في توليد تلك الفوضى. الواقع الذي أمامنا يقول أن جانباً مهما ًمن اخفاقات الدولة العربية خلال الحقبة الأخيرة، سواء في مجال التنمية الاقتصادية أو السياسية، يرجع إلى انكسار الإجماع القديم، وعجز المجتمع السياسي عن توليد عقد اجتماعي جديد، أي إجماع جديد على طبيعة النظام واستهدافاته والقيم الكبرى الناظمة لحركته.
انكسار الإجماع القديم أدى أيضاً إلى تفكيك الشرعية السياسية للدولة. طبقاً لمارتن ليبست فإن التطورات التقنية في العالم أعادت بعث موضوع الشرعية كمشكلة تواجه الحكومات. ويكمن سرها في الانقسام الحاد بين المجموعات، التي مكنتها ثورة الاتصالات من تنظيم نفسها حول قيم مختلفة عن تلك التي كانت تعتبر في الماضي مسلّمة أو بديهية.
أزمة الشرعية هي أزمة تغير ولهذا يجب البحث عن جذورها في صفة التغير في المجتمع الحديث. وهي تقع في مرحلة الانتقال إلى بنية اجتماعية جديدة. ذلك أن المؤسسات الرئيسية التي تصون النظام، يتراجع تأثيرها خلال فترة التغيير في البنية الاجتماعية. ويزيد الأمر سوءاً إذا جرى حجب المشاركة في الشأن العام عن شرائح اجتماعية رئيسية، سيما خلال الفترة الانتقالية. [21]
في ظل الانقسام يسير كل من المجتمع والدولة في اتجاه مختلف، وتنعدم الثقة المتبادلة بين الطرفين، كما تتفاقم الانقسامات داخل المجتمع، وتتحول عوامل التنوع إلى مبررات للتفارق والفرقة بين الأطياف الاجتماعية المختلفة. سوف تجد هذا ماثلاً في الصراع الدائر بين القبائل والأطياف الاجتماعية في ليبيا، وهو لا يختلف كثيراً عن الحال في اليمن والعراق وسوريا وغيرها من المجتمعات العربية.
من التنوع إلى التمييز
نعرف أن المجتمعات التقليدية تبني نظام علاقاتها الداخلية وتؤسس دوائر مصالحها على قاعدة القرابة أو التماثل. ويظهر تأثير هذه العوامل في تشكيل النخب العليا. فالدوائر المؤثرة في القرار السياسي تتألف غالباً من أقارب رجال السلطة أو أصدقائهم أو أبناء قبيلتهم أو مدينتهم. وهذا ينعكس بشكل مباشر على شكل أفضلية في الوصول إلى الموارد والفرص المتوافرة في المجال العام. وهذا يجيب على سؤال: لماذا ينتمي ملاك الشركات التجارية الكبرى إلى نفس العائلات أو المدن التي يسيطر أبناؤها على معظم الوظائف القيادية في الحكومة[22].
يجري اختيار شاغلي المناصب الرئيسية بناءً على درجة ولائهم وليس كفاءتهم. أو أن الولاء يعتبر معيار تفاضل حين تتساوى مؤهلات المرشحين لنفس الوظيفة. وينصرف الولاء إلى معنى محدد أو مرجح، هو التقارب الشخصي المبني على معرفة مسبقة، وتزداد أهمية هذا العامل في ظروف التأزم، التي تستدعي تضييق الحلقات المؤثرة في القرار أو تضامنها.
من المحتمل ان تتدخل عوامل أخرى في تغيير وجهة الانقسام. كمثال على هذا فإن المصالح الاقتصادية أو التعليم أو حتى الصراعات داخل هذه الفئات نفسها، ربما تؤدي إلى بروز دوائر مصالح وعلاقات عابرة للقبيلة أو الطائفة. عندها ستبقى علاقة القرابة أو التماثل في موقعها الطبيعي، ولن تتحول إلى مؤشر حدود يفصل بين الناس. في الحقيقة فإن جميع البشر يميلون بشكل طبيعي إلى الاقتراب من نظرائهم أو معارفهم السابقين. فالدائرة الاجتماعية التي اعتاد الفرد على أن يكون جزءاً منها “الجماعة”، بتاريخها وسماتها وطريقتها في التعبير عن ذاتها، تمثل عنصراً مؤسساً لكينونة الفرد وذاته[23]. هذا أمر طبيعي في المجتمعات البشرية إذن. رغم ذلك فإن الناس لا يعتبرون هذه الرابطة معيار تحديد لرؤيتهم للعالم أو تكوين مصالحهم الحياتية. في الظروف الطبيعية يتعامل الناس ويتشاركون المصالح دون نظر إلى جنسية الشريك أو دينه أو مذهبه أو انتمائه القبلي. إن تحول هذا الميل الطبيعي إلى معيار سياسي أو اقتصادي، واتخاذه قاعدة لتشكيل دوائر المصالح في المجال العام، يكشف عن أزمة في نظام العلاقات الاجتماعية، وهو حري بأن يدمر الأساس العقلاني للسياسة، ويحولها من إدارة للمصالح العامة إلى ما يشبه مزرعة أو شركة خاصة بعائلة أو جماعة محددة.
السماح بانتقال ذلك الميل إلى الحياة السياسية هو مسؤولية الحكومة. والواضح أن الحكومات العربية قد اتخذت هذا المنهج بشكل عفوي أحياناً وعن وعي وقصد أحياناً أخرى. ونضرب هنا مثالين متقابلين من الهند وقطر، يوضحان الدور المحوري للحكومة وقوة القانون في تحويل التنوع الطبيعي إلى تفارق سياسي أو العكس.
ففي 1984 قتلت رئيسة الحكومة الهندية أنديرا غاندي على يد حارسها الذي ينتمي إلى طائفة السيخ، انتقاماً فيما يبدو من قرارها بالهجوم على معبد أمريتسار، وهو أهم الأماكن السيخية المقدسة. وظن بعض المراقبين أن السيخ سيواجهون أياماً عصيبة على يد الأكثرية الهندوسية والحكومة. لكن الذي حصل كان العكس تماما. فقد عملت الحكومة على تهدئة خواطر السيخ وإنصافهم. وبعد ذلك بعشرين عاماً، في أكتوبر 2004م اختار حزب المؤتمر، الذي تنتمي إليه السيدة غاندي، مانموهان سينغ كأول سيخي يتولى رئاسة الحكومة. ويمثل السيخ نحو 2% فقط من سكان الهند. جدير بالذكر أن الحزب الحاكم نفسه كان قد دعم في 2002 اختيار العالم المسلم أبو بكر زين العابدين عبد الكلام رئيساً للجمهورية. ويمثل المسلمون 16% من سكان الهند، وكانت علاقتهم مع الهندوس سيئة منذ انفصال باكستان في 1947.
المثال المقابل لهذا حدث في دولة قطر، في نفس الوقت تماماً. في أكتوبر 2004 قررت الحكومة إسقاط الجنسية عن احد فروع قبيلة بني مرة المعروف بـ “فخيذة الغفران” لما قيل من مشاركة عشرين عسكرياً من أعضائه، في محاولة انقلاب قادها والد الأمير السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، لاستعادة كرسي الإمارة. ونقلت تقارير صحفية عن أبناء القبيلة قولهم أن قرار إلغاء الجنسية الجماعي طال 972 أسرة تضم 5266 مواطناً[24].
يقدم المثالان السابقان نموذجاً عن عمل حكومة خاضعة للقانون، مهتمة بالاندماج الوطني وردم الفجوات التي تفصل أطياف المجتمع، تعامل الأفراد وفقاً لكفاءتهم، وأخرى مشغولة بالتحقق من ولاء مواطنيها، تعاملهم لا كمواطنين أفراد يتحملون مسؤولية أفعالهم الشخصية، بل كأعضاء في قبيلة، يجري تقييم مواطنتهم وفق الانتماء القبلي وتبعا لعلاقته بالنخبة، وليس لالتزامهم – كأفراد – بالقانون أو تمردهم عليه. لاحظ د. النقيب أن الطبقة الوسطى التي تشكلت كنتيجة للنمو الاقتصادي وانفتاح المجتمع الخليجي على أسواق العالم، لم تتحول إلى دائرة مستقلة تتشابك فيها مصالح الأجيال الجديدة التي ارتبط بروزها بالتحديث، على نحو يقلل من الانعكاسات المادية/ السياسية للهويات الفرعية. على العكس فقد باتت جزءاً من التنظيم القبلي، لأن السياسة العامة للدولة الخليجية أرادت التعامل مع الأفراد من خلال القنوات التقليدية التي قامت على أرضية الهويات الفرعية السابقة للدولة[25].
بصورة عامة يمكن القول ان الدولة تلعب دوراً محورياً في تفريغ المضمون السياسي السلبي من الهويات الفرعية وإعادة إنتاجها كنماذج للتنوع الثقافي الذي يثري البلد، أو إعادة إنتاج هذا التنوع في الاتجاه المعاكس، أي عزلها ومعاقبة المنتمين إليها أو مكافأتهم. وحينئذ فمن المؤكد أنها ستتحول إلى هويات مشحونة سياسياً، وسوف يتحول الانتماء الطبيعي أو الإيديولوجي إلى محدد للموقف الاجتماعي والسياسي.
معالجة الانقسام
يعتقد كامروا أن مشكلة التطور السياسي في العالم الثالث، تكمن في افتقار مجتمعاته إلى فهم واحد للأسس الكبرى التي يقوم عليها الاجتماع السياسي. ثمة في هذه المجتمعات من يعتبر السياسة مجرد أداة للحكم. أن تشارك في السياسة يعني بالتحديد أن تكون حاكماً على الآخرين. وفي المقابل يعتبرها المحكومون عالماً للفساد واللاأخلاقية[26]. حين يكون هذا الفهم هو السائد، فإن العلاقة بين المجتمع والدولة ستكون -على الأرجح- علاقة مغالبة، لا شراكة أو تعاون. وفي ظرف كهذا فإنه سيكون من المستحيل إقامة نظام عمل عقلاني، يمكن كلا من الطرفين – المجتمع والدولة – من التنبؤ سلفاً بأفعال أو ردود فعل الآخر، وبناء السياسات وفقاً لها.
يؤسفني القول أنه لا يوجد علاج سريع لمشكلة الانقسام، الذي تطور الآن إلى أداة لترسيخ السلطة وتعزيز بنيانها. لكن لو أردنا أن نبدأ العلاج، فإن الخطوة الأولى، هي وضع استراتيجية شاملة لبناء إجماع وطني جديد، يتلاءم مع الحاجات والتطورات التي برزت خلال السنوات الأخيرة في المجتمع العربي وفي محيطه.
يتألف مفهوم الإجماع من ثلاثة عناصر محورية[27]:
- تعريف متفق عليه للمجتمع السياسي (الدولة / الشعب) يقوم على أرضيته نظام واضح للعلاقة بين أعضاء هذا الكيان والمسؤوليات المشتركة والمتبادلة فيما بينهم.
- نظام قانوني – مؤسسي يضمن توزيعاً منصفاً للفرص والمكاسب المادية والمعنوية المتوفرة في المجال العام.
- وسائل متفق عليها لحل الخلافات بين أطراف المجتمع السياسي.
يقود الإجماع الوطني إلى إنشاء ما يعرف اليوم بمجال عام مفتوح، يسمح بتحويل الشأن العام من اختصاص حصري للطبقة الحاكمة، إلى موضوع للتداول العقلاني في المجتمع ككل. طبقا لرؤية هابرماس، الفيلسوف المعروف، فإن المجال العام هو ذلك الجانب من الحياة الاجتماعية الذي تناقش فيه المصالح العامة، ويجري حل اختلاف الآراء من خلال مساجلات عقلانية، وليس بالرجوع إلى التقاليد أو المفاهيم الدوغمائية الموروثة.[28]
يفضل كثير من الباحثين تجنّب مفهوم الإجماع، ربما بالنظر لمحمولة النظري/ الذهني الغالب. ويفضلون بدلاً منه استعمال مفهوم “الإندماج أو التشابك السياسي =integration” الذي يشير إلى محمول وظيفي- إجرائي، وينظر للمجتمع كأطياف أو دوائر مصالح متنوعة. طبقاً لرؤية كلود ايك، فإن الإندماج السياسي يبدأ بالتوافق على منظومة من القواعد المتعلقة بسلوك الفاعلين السياسيين في المجال العام، يلتزم الجميع باتباعها وتقبل مؤدياتها[29]. مثل هذا التوافق ضروري لجعل التداول السياسي محدداً وعقلانياً.
سواء أخذنا بمفهوم الإجماع أو الإندماج، فكلاهما يقوم على أرضية فلسفية محددة، هي قبول جميع الأطراف بكونهم شركاء متساوين في ملكية تراب وطنهم[30]. وبموجب هذه الملكية المشتركة، فإن لكل منهم حقوقاً وعليه كلفاً وواجبات متماثلة. وأن هذا القبول التوافقي هو السند الأساس لإلزامية القانون العام. وتكمن أهمية الرضا / الإجماع في حقيقة أن عمل الدولة يدور على الدوام في إطار الندرة، حيث الموارد محدودة والمطالب لامحدودة. جوهر عمل الدولة هو إدارة الموارد العامة التي تقل دائماً عن مطالب الجمهور وتطلعاته. ولهذا فهي لا تلبي في معظم الحالات جميع تلك الحاجات، فضلاً عن التطلعات. هذا من شأنه أن يحول العلاقة بين المجتمع والدولة إلى مصدر دائم للتوتر الاجتماعي. [31]
لكننا نعلم أن معظم الناس يتقبلون حقيقة إن سياسات الدولة وقراراتها يجب أن تحترم، رغم إنها لا تلبي تطلعاتهم. سر هذه المفارقة يكمن في مفهوم الإجماع / الرضا الذي أشرنا إليه، أي الشعور العميق في نفس المواطن بأن ما تقوم به الدولة منصف ومفيد للوطن بشكل عام، حتى لو لم يكن مفيداً له على وجه الخصوص أو كان قاصراً عن تلبية حاجاته. [32]
يجب القول أن إعادة إنتاج الإجماع القديم في أي صورة، لن يولد إجماعاً جديداً، بل مزيداً من الانقطاع بين الشرائح الاجتماعية. ونقطة البداية الصحيحة هي تأسيس هذا الإجماع على أرضية التنوع والتسامح، أي إقرار كافة الأطياف التي يتألف منها الاجتماع السياسي بهذا الاجتماع كما هو، أي بما يتمثل فيه من تيارات ومصالح وتوجهات، سواء رضينا عنها أو كرهناها. هذه الخطوة تمهد لإجماع لا يتناقض مع التعدد والتنوع، إجماع يتيح الفرصة للجميع كي يشعروا بمعنى المواطنة الحقة والشراكة المتساوية في تراب الوطن.
وفيما يخص العلاقة بين هذه الأطراف، فإنها يجب أن تنظم في إطار مبدأ “المواطنة”، بمعنى أن كل مفهوم أو قيمة أو تقليد أو تفاهم بين أطراف المجتمع، لا بد أن ينطلق من إقرار مسبق وغير مشروط بأن المجتمع الوطني هو تأليف موسع من مجموع المواطنين الذين يحملون الجنسية ويقيمون ضمن الحدود الإقليمية للبلد، وأنهم جميعاً متكافئون في الحقوق والواجبات والقيمة.
وفيما يخص غرض النظام السياسي فإن الغاية الأسمى يجب أن تكون تحقيق “العدالة الاجتماعية”، أي كون المواطنين جميعاً شركاء في الموارد والمصالح العامة، وأن التعارضات المحتملة بين مصالحهم، يجب أن تدار وتعالج على أرضية كونهم أصحاب حق متماثل في الفرص والموارد المادية والمعنوية، وشركاء بنفس القدر في تحمل المسؤوليات والتكاليف المترتبة على اجتماعهم.
سيادة القانون
لن تنتهي الخلافات ولن تنتهي المشكلات في أي بقعة من العالم. المال يخفف المشكلات، لكنه لا يعالجها دائماً. المصالحات الشخصية تبطيء انفجار الأزمات، لكنها لا تزيل أسبابها، ولا تمنعها من الظهور لاحقاً. وإذا كان لنا أن نعتبر بتجربة المجتمعات الأخرى التي واجهت هذه المشكلات قبلنا، فإن الحل الوحيد الذي نجح في التعامل مع ذلك الإشكال هو الحل الديمقراطي الذي يضمن الحريات الفردية والمساواة وسيادة القانون، والمشاركة الشعبية في القرار.
اعتمدت الحكومات العربية حتى الآن على ما استطيع وصفه بشرعية سياسية مؤقتة، قائمة على خطاب يتعمد تخويف المواطنين من أعداء – أو حاسدين كما يعبر عنهم أحياناً – حقيقيين أو افتراضيين، من أجل إقناع الجمهور بدعم النخب الحاكمة وسياساتها[33]. مثل هذه الحلول التي تنفع أحياناً، قصيرة الأمد وسيئة السمعة. من يقوم بها سيحمل وزرها في حياته وبعد مماته. ومن الأفضل للمجتمعات والنخب العربية أن تذهب في الاتجاه الذي يلبي حاجتها للشرعية السياسية، كما يلبي – في الوقت نفسه – حاجة المجتمع للشعور بالأمان والكرامة في وطنه.
جوهر مفهوم الشرعية السياسية هو رضا عامة الشعب بحكومتهم أو قبولهم لها ولو كانوا غاضبين منها. الحكومة الفاقدة للشرعية والمكروهة من المجتمع، ليست أكثر من عصابة تتحكم في حياة الناس دون رضاهم، مثلما يتحكم حامل سلاح في جمهور أعزل. جمهور البلد هم أهلها وهم جوهرها. قيمة البلد من قيمة شعبها وقيمة الحكومة من تمثيلها لهذا الشعب وتوافقها معه.
على المستوى العملي فإن رضا العامة هو الذي يجعل للقانون قيمة فوق آراء الأشخاص. وفقاً لروسو، فإن التوافق والتراضي بين أعضاء الجماعة على نظام محدد لإدارة حياتهم المشتركة، ينشئ ما أطلق عليه اسم “الإرادة العامة” التي تشكل خلفية القانون العام ومصدر هيبته[34].
لا يمكن لأي دولة أن تضع شرطياً على رأس كل طريق. ولا تستطيع أن تضمن الأمن والسلام، ولا أن تضمن طاعة الناس بالاعتماد على التواجد الفعلي لرجال الشرطة في كل زقاق. في الحقيقة فإن الطاعة المنبعثة حصراً من الخوف من الشرطة وسلاحهم، ليست سوى استسلام ذليل مشحون بالكراهية لصاحب السلاح ومن فوقه. وليس هكذا تبنى الأوطان ولا بهذه الطريقة تنمو وتتقدم.
إنما تنمو البلاد وتعمر إذا سادت الثقة، وآمن كل فرد بأنه عزيز في وطنه موفور الكرامة، محمي من البغي والعدوان. هذا الإيمان ينصرف – نفسياً وعملياً – إلى الثقة في النظام الاجتماعي – السياسي القائم، أو على الأقل تقبله واحتماله باعتباره ضرورة للسلم الأهلي والأمن الشخصي والحياة الكريمة. وعلى هذا الأساس يشعر المواطن بالحاجة إلى القانون والرغبة في احترامه. لأن احترام القانون يجعل القانون سيداً حاكماً، وسيادة القانون على الجميع تحمي كل فرد منهم من بغي الآخر حين يختلفان أو حين تتعارض مصالحهم.
الديمقراطية كوسيلة لحل تنازعات المصالح
لا يستطيع أي نظام سياسي في العالم أن يحقق كل مرادات الناس. لكن أولئك الذين اختاروا الديمقراطية، يعلمون تماماً أن حرمانهم من بعض ما يريدون ليس اعتباطياً، وأن ما يخسرونه اليوم سيحصلون على بديل عنه في الغد. وفي كل الأحوال فإن صوتهم مسموع ومؤثر، وأنهم قادرون – إذا أرادوا – على إيصال أفضل من يمثلهم إلى مراكز القرار. هذه المعادلة لا تحقق عدالة مطلقة، لكنها تحقق ما يمكن وصفه بالإنصاف. وهو غاية ما توصل إليه الإنسان في تجربته الطويلة، منذ أن بدأ التفكير في السياسة وحتى اليوم. الديمقراطية ببساطة، نظام يؤسس لمجال عام، جوهره التداول المفتوح للأفكار والآراء والمصالح المادية والفرص، على نحو يحقق لجميع الناس فرصاً متساوية للحصول على ما يستحقونه أو ما يسعون إليه. هذا الظرف هو ما نسميه بالنظام العادل.
وفقاً للمفهوم الذي عرضه جون راولز فإن الإنصاف / العدالة يعني ألا نكون منحازين تجاه أشخاص أو جماعات محددة، وأن كل فرد يستحق تعاملاً متساوياً مع الغير، أي أن يحصل على ذات الحقوق والفرص المتاحة لغيره في المجال العام. وإذا اقتضى الأمر حرمانهم من حق، فيجب أن يكون هذا الحرمان مبرراً في إطار قانون يعتبره الجميع عادلاً أو معقولاً بشكل عام. وأن الحرمان يتعلق بالأشياء وليس بالأشخاص. لا يحرم الأشخاص من حقوق أو فرص متاحة في المجال العام لأنهم يحملون أسماء بعينها أو ينتمون إلى أديان أو مذاهب أو قبائل بعينها. ما يحصلون عليه هو ما يحصل عليه غيرهم، وما يحرمون منه هو ما يحرم منه غيرهم. وفي كل الأحوال يجب أن يكون هذا وذاك مبرراً ضمن منظور عقلاني ومقبول من جانب عامة الناس[35].
الديمقراطية ليست برلمانا ينتخبه الناس. وإن كان هذا أجلى مظاهرها. النظام الديمقراطي في العمق فلسفة علاقة بين أعضاء المجتمع السياسي منبثقة من اتفاق بينهم على أنهم ملاك متساوون لتراب وطنهم، شركاء في المسؤولية عنه، وأن هذه الشراكة وتلك الملكية هي المصدر الأساس لحقوقهم المدنية والسياسية. أما البرلمان والجهاز التنفيذي فهو الوسيلة التي يختارها المجتمع لإدارة أموره المشتركة وحل تنازعات الآراء والمصالح التي لا بد أن تظهر في أي اجتماع بشري.
في ظل الإيمان بملكية كل مواطن لتراب وطنه، لن يعرف المجتمع شيئاً مثل تقسيم الجنسية إلى درجة أولى وثانية، ولن يعرف شيئاً مثل إلغاء الجنسية وإبعاد من يحملها عن وطنه. وفي ظلها أيضاً لن يجد من يحمل السلاح في وجه المجتمع أو الدولة، من يناصره أو يتعاطف معه، بل لن يجد أحد حاجة للعمل في السر من أجل الاستيلاء على السلطة أو تهديدها.
الديمقراطية – بعبارة مختصرة – وسيلة لإدارة اختلاف الآراء والمصالح على نحو يقلل من احتمالات تحولها إلى مبررات صراع داخلي، ويعزز الثقة بالاجتماع السياسي كوحدة متنوعة الأطياف، لكنها موحدة الهوية والرؤية. وهذا ما يحتاجه العرب للخروج من أزمة الانقسام، التي تغذيها تجربة تاريخية بائسة وتراث ثقافي وديني أكثر بؤساً وفقراً.
أعلم أن التحول الفعلي إلى الديمقراطية ليس بسهولة الكلام عنه، لكن ليس أمامنا بدائل وليس أمامنا حلول أخرى.
[1] انظر مثلا رسالة الشيخ سفر الحوالي: كشف الغمة عن علماء الأمة ، التي اصدرها بعد الاجتياح العراقي للكويت (1990) وخصصها لتحذير العلماء من مؤامرة دولية على الخليج تقودها واشنطن وتستخدم فيها الاقليات الدينية والمذهبية في المنطقة. ونشرت الرسالة لاحقا في كتاب باسم “وعد كيسنجر” ن. أ: http://www.saaid.net/Warathah/safar/sf8.zip
[2] عمر الشهابي (محرر):الثابت والمتحول 2014، الخليج ما بين الشقاق المجتمعي وترابط المال والسلطة ، مركز الخليج لسياسات التنمية https://www.gulfpolicies.com/index.php?option=com_content&view=article&id=1757&Itemid=457
[3] د. حيدر ابراهيم علي و د. ميلاد حنا: ازمة الأقليات في الوطن العربي ، دار الفكر المعاصر (بيروت 2002) ص70
[4] Seymour M. Lipset, Political Man, The Social Bases of Politics, Doubleday, (Garden City, NY. 1960) P. 21
[5] David Apter , The Politics of Modernization, Uni. of Chicago Press, (Chicago 1965), p. 59
[6] يوسف خليفة اليوسف: عندما تصبح السلطة غنيمة: حالة مجلس التعاون الخليجي ، المستقبل العربي، ع 351 ، مايو 2008 ، ص 71-87
[7] برهان غليون : نظام الطائفية ، المركز الثقافي العربي (بيروت 1995)، ص 53
[8] Lipset, Op. Cit., p. 87
[9] K. Hoover, J. Marcia, K. Parris, The Power of Identity, Chatham House Publishers, (London1997) p. 36
[10] امين معلوف : الهويات القاتلة ، دار الفارابي (بيروت 2004) ، ص 29
[11] للمزيد حول العلاقة التفاعلية بين الفرد والجماعة ودورها في تكوين الهوية ، انظر ايان كريب: النظرية الاجتماعية من بارسونز إلى هابرماس ، ولا سيما الفصل الخامس ص 121 ، ترجمة محمد حسين غلوم ، عالم المعرفة ، (الكويت 1999).
[12] Benedict Anderson, Imagined Communities, Verso, (London 1991), p. 37
[13] خلدون النقيب: صراع القبيلة والديمقراطية ، حالة الكويت ، دار الساقي (بيروت 1996) ، ص 101
[14] خلدون النقيب ، نفس المصدر ، ص 178
[15] خلدون النقيب: الدولة التسلطية في المشرق العربي المعاصر، مركز دراسات الوحدة العربية. (بيروت 1996). ص. 175
[16] Matthew Gray, A Theory of “Late Rentierism” in the Arab States of the Gulf, Center for International and Regional Studies, Georgetown University School of Foreign Service in Qatar 2011. http://hdl.handle.net/10822/558291
[17] نزيه الأيوبي: تضخيم الدولة العربية ، ترجمة امجد حسين ، المنظمة العربية للترجمة (بيروت 2010) ، ص 347
[18] توفيق السيف: حدود الديمقراطية الدينية ، دار الساقي (بيروت 2008) ص. 59
[19] David Apter, The Politics of Modernization, (Chicago 1965), pp. 66-8
[20] محمد الرميحي: البحرين ، مشكلات التغيير السياسي والاجتماعي ، ط4 ، دار الجديد (بيروت 1995) ص 374
[21] S. Lipset, Political Man, 78
[22] انظر مثلا د. حمد الوردي : البيروقراطية والتمثيل البيروقراطي والتكافؤ في المملكة العربية السعودية ، مركز دراسات الوحدة العربية ، (بيروت 2006) ، ص 92 . ايضا د. محمد بن صنيتان: النخب السعودية ، ط2 مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت 2005 ) ، ص 68
[23] Victor Segesvary, Essays, Articles and Lectures 1957 — 2005, Mikes International, (Hague 2005), p. 213
[24] قبيلة قطرية تتعرض لنزع جنسية جماعي ، قناة العربية (30 مارس 2005) http://www.alarabiya.net/articles/2005/03/30/11736.html
[25] خلدون النقيب: صراع القبيلة والديمقراطية ، ص 22
[26] Mehran Kamrava, Cultural Politics in the Third World, UCL Press. (London 1999), p. 74
[27] See: Taketsugu Tsurutani, “Stability and Instability”, The Journal of Politics, vol. 30, no. 4. (Nov., 1968), pp. 910-933: p. 911
[28] Quoted in David Held, Political Theory and the Modern State, Polity press, (Cambridge 1989) p.79
[29] Quoted in Jean Blondel, Comparative Government, 2nd Ed., Prentice Hall/ Harvester Wheathsheaf, (London 1995) p. 67
[30] جادلت في دراسة سابقة بأن ملكية الشعب لتراب وطنه ، وكون هذه الملكية المصدر الاساس للحقوق المدنية ، قابلة للاثبات على ارضية الفقه الاسلامي ، حتى وفق القراءة التقليدية ، فضلا عن القراءة المعاصرة. انظر توفيق السيف: نظرية السلطة في الفقه الشيعي ، ص.241. ط2، ن.إ. (2014) مدونة توفيق السيف http://talsaif.blogspot.com/2014/06/blog-post.html
[31] David Held, Political Theory and the Modern State, Polity, (Cambridge 1989), p. 120
[32] David Easton, “An Approach to the Analysis of Political Systems” World Politics, vol. 9, issue 3 (Apr., 1957) pp.383-400: p.386-7
[33] جاستن غنغلر: الاقتصاد السياسي للطائفية في الخليج ، مركز كارنيجي للسلام (29 اغسطس 2016) http://carnegie-mec.org/2016/08/29/ar-pub-64408
[34] جان جاك روسو: في العقد الاجتماعي أو مبادئ القانون السياسي ، ترجمة عبد العزيز لبيب، المنظمة العربية للترجمة (بيروت 2011) ص 108
[35] Leif Wenar, ‘Rawls’ in David Estlun (ed.) The Oxford Handbook of Political Philosophy, Oxford University Press, 2002, p. 397