- إعداد: الأستاذة زويا روحانا
تجربة المجتمع المدني ومنظمة كفى عنف واستغلال في إقرار
قانون “حماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف الأسري
شهدت المنطقة العربية تحولات متسارعة في السنوات الأخيرة تمثلت في انتفاضات شعبية لم تصل إلى غاياتها في معظم البلدان، وانحرفت عن مسارها في بعض البلدان، فتحولت إلى نزاع مسلح داخلي أو نزاع مسلح يدور بين قوى إقليمية تستخدم أدوات محلية وتغذيها بالسلاح وبالمال.
كانت هذه الانتفاضات ردا طبيعيا على الإخفاق التنموي الكبير الذي عجزت أنظمة الحكم في بلادنا عن تداركه. وكان لهذا الإخفاق تجليات عديدة انعكست في نقص الحرية وفي التهميش والإقصاء لقطاعات واسعة من السكان، وفي فرز طبقي حاد بسبب سوء توزيع الثروة الوطنية، كما انعكست في هيمنة الثقافة الطائفية وفي تعزيز الثقافة الذكورية المستندة إلى عصور من التجهيل.
وفي مواجهة هذا المسار، كان المجتمع المدني، ومن ضمنه القطاعات المعنيّة بقضايا المرأة يطالب ببناء الدولة الوطنية الديمقراطية، دولة المواطنة والحقوق المتساوية بين الرجال والنساء؛ ويسعى إلى التصدي للثقافة الذكورية المتأصلة في الموروث الثقافي السائد، الذي يجعل من حقوق النساء ضحية ما يسمى بـ“الخصوصية الثقافية“، ويرهن حيوات النساء لنصوص سلفية يعطيها صفة “القدسية“.
قانون 293/2014 – قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري
وفي لبنان، خاض المجتمع المدني والمنظمات النسائية عدة نضالات باتجاه بناء دولة المواطنة والعدالة والمساواة، وسوف نعرض فيما يلي تجربة منظّمة كفى عنف واستغلال في مجال إخراج مشكلة العنف الذي تتعرض له النساء من الإطار الخاص إلى الإطار العام ليصبح تحت طائلة القانون.
فمشكلة العنف الممارس على النساء هي من أبرز تجليات النظام الذكوري الذي حرص ولا يزال على إبقائها ضمن حرمات الأسر باعتبارها قضايا خاصة خارجة عن نطاق الاهتمامات العامة للدولة والمجتمع. لذلك، كان من بين الأهداف التي عملت عليها منظمة كفى عنف واستغلال العمل على إقرار قانون خاص لحماية النساء من العنف الأسري، وذلك من أجل انتزاع الاعتراف الرسمي بوجود هذه الظاهرة – أي الاعتراف بأن هناك عنفاً يمارس على النساء كونهن نساء، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية توجيه رسالة للمجتمع بأسره بأن هذا العنف مرفوض، واعتباره جريمة يعاقب عليها القانون.
وبناءً على تجربة تراكمت لديها من خلال استقبال النساء ضحايا العنف الأسري ومحاولة تقديم المساعدة لهن لمواجهة العنف الذي تعرّضن له وتخطّينه حيث أمكن، تمكّنت منظمة كفى من تلمّس أبرز العوائق الثقافية والقانونية التي تعترض طريقهن للوصول إلى العدالة، بادرت، وبالتعاون مع لجنة مختصة ضمّت قضاة ومحامين ومختصين آخرين، إلى تحضير مسودة قانون تبنّته فيما بعد مجموعة كبيرة من منظمات المجتمع المدني انضوت تحت إطار “التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري“.
وبعد نضال استمر سبع سنوات، تم خلالها احتضان مطلب تشريع حماية النساء من العنف الأسري من قبل قطاعات واسعة من المجتمع اللبناني، مثل نواد طلابية في الجامعات ونقابات وشخصيات فنّية وإعلامية وثقافية بارزة، كما جرى خلالها لقاءات متعددة مع الأحزاب الممثلة لمعظم الكتل النيابية، وتنفيذ مجموعة من الأنشطة الميدانية والحملات الإعلانية ومظاهرات مطلبية كان أبرزها المظاهرة التي حصلت في الثامن من آذار عام 2014 شارك فيها ما يقارب 5 آلاف شخص، تم إقرار القانون في 1 نيسان 2014، ولكن بعد إدخال بعض التشويهات على النسخة الأصلية التي كنا قد تقدّمنا بها، مما ضعّف من فعّالية القانون.
وكان من أبرز التشويهات عدم تخصيصه للنساء، أي عدم الاعتراف بالعنف القائم على أساس الجنس، وبالتالي عدم الاعتراف بما يمكن أن تؤدي إليه العلاقات غير المتكافئة في العلاقات الأسرية من مآسي للنساء، وأبرزها العنف بكافة أشكاله.
فبعد محاولة اللجنة النيابية المصغّرة إزالة كلمة النساء من عنوان القانون وتعميمه على كافة أفراد الأسرة، بذلنا جهوداً استثنائية للتصدي لهذه المحاولة، ونجحنا بإعادة إدخال النساء إلى عنوان القانون ولكن دون أن ينعكس ذلك على مضمون القانون، فجاء عنوانه: قانون حماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف الأسري.
من التشويهات الأخرى عدم تجريم الاغتصاب الزوجي، حيث، وبعد جهود بذلناها لمواجهة محاولات اللجنة النيابية لإلغاء المادتين المتعلقتين بتجريم الاغتصاب الزوجي، خرجت اللجنة بنص يجرّم استخدام العنف للحصول على ما أسمته “الحقوق الزوجية” علما أن هذا المصطلح غير معرّف في النصوص القانونية.
ورغم كل محاولاتنا لعدم الربط ما بين هذا القانون ذي الصفة الجزائية وبين قوانين الأحوال الشخصية، أعيد الاعتبار لقوانين الأحوال الشخصية عبر ربط موضوع الحضانة بالاستفادة من قرارات الحماية، حيث ربط حق الضحية بشمول أطفالها بقرارات الحماية بالسن المسموح لها بحضانتهم وفق قوانين الأحوال الشخصية.
وتدّل هذه التشويهات وغيرها على عدم قناعة المشرّع اللبناني بتحقيق المساواة في العلاقات الأسرية واستمرار توجهه نحو تكريس الموقع الدوني للنساء، وهو موقع تكرّسه جميع قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها في لبنان.
إلا أنه ما من شك في أن إقرار القانون أحدث صدمة إيجابية، خاصة لدى النساء ضحايا العنف اللواتي ازدادت جرأتهن على مواجهته والاستفادة من قرارات الحماية التي يوفرّها لهن وإن بشكل مؤقت لحين حل أساس النزاع في المحاكم المختصة، أي بشكل أساسي محاكم الأحوال الشخصية التابعة للمذاهب الدينية المختلفة في لبنان.
قوانين الأحوال الشخصية:
في لبنان 18 طائفة تخضع لـ 16 نظام أحوال شخصية تابعة لمختلف المذاهب المعترف فيها في لبنان. فعوضا أن يعمل المجلس النيابي اللبناني لوضع قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، فوّض صلاحياته بالتشريع في مجال تنظيم الأحوال الشخصية للمذاهب المختلفة. ولقد تجسدّت الثقافة الذكورية في هذه القوانين المختلفة بحيث نصت جميعها على واجب تبعية المرأة للرجل وأوصت له بالولاية الجبرية على أطفاله. هناك أمثلة عديدة يمكن إيرادها في هذا الصدد وهنا تكمن أساس مشكلة العنف التي تعاني منها النساء، ليس فقط في لبنان وإنما في الكثير من البلدان العربية.
لذا تعمل منظمة كفى الآن على إعداد مسودة لقانون مدني للأحوال الشخصية وسوف تخصص حملاتها اللاحقة للمطالبة بإقرار هذا القانون.
استعراض القانون النموذجي لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات في الدول العربية
Power Point Presentation