IMG_8370.jpg

تعقيب الصحافية والباحثة سعدى علوة على ورقة مديرة منظمة كفى السيدة زويا روحانا وعنوانها:

تجربة المجتمع المدني ومنظمة كفى عنف واستغلال في إقرار

قانونحماية النساء وكافة أفراد الأسرة من العنف الأسري

في منتدى عبد الرحمن النعيمي الفكريآفاق المساواة في النوع الاجتماعي العربي

(بيروت 19 ديسمبر/كانون الأول 2018)

سعدى علوة

لدي هاجسان اثنان في التعقيب على ورقة تجربة المجتمع المدني وفي قلبهكفى، المنظمة التي شكلت رأس حربة في إقرار قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري من جهة، ويكمن الثاني في التعقيب على صديقتي مديرة كفى زويا روحانا، المناضلة الشرسة، ورفيقة هذا الدرب الوعر في بلد كلبنان.

حيوية المجتمع المدني في لبنان ليست بنت لحظتها، فقد لعب هذا القطاع دورا بارزا، بل لعله الأهم، في صمود اللبنانيين خلال آلة القتل في الحرب الأهلية اللبنانية، ولا يزال، وتحديدا المنظمات الجدية منه، تعوض غياب العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن الذي لم تنجح جمهورية الطائف في إرساء أسسه، أو حتى البناء على بعض بذوره التي زرعتها المرحلة الشهابية في الستينات.

لكن هذا المجتمع نفسه جاء في بعض أوجهه على شاكلة هذا النظام السياسي الطائفي لتغرق بعض منظماته برؤاها التي لن نسميها تغييرية تحت العباءة الطائفية والمذهبية والدينية. وقد تجلى هذا التباين النضالي بين منظمات المجتمع المدني نفسه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، في معركة إقرار قانون حماية النساء من العنف الأسري الذي قادتكفىخلاله تحالفا تجاوز السبعين جمعية مدنية.  ومن موقعي كصحافية وباحثة تابعت عن كثب مجريات العمل في اللجنة لفرعية التي شكلها مجلس النواب اللبناني لمناقشة مسودة اقتراح قانون حماية النساء من العنف الأسري، تفاجأت كماكفىوجمعيات أخرى، بموقف بعض الجمعيات المنضوية في ائتلاف إقرار اقتراح القانون، وتحديداً خلال الصراع لإعادة مادة تجريم الاغتصاب الزوجي إلى صلب مسودة القانون. يومها وصل إلى اللجنة النيابية الفرعية كتاب موقع من جمعيات ذات طابع ديني يؤيد رؤية رجال الدين الرافضة لتجريم الاغتصاب الزوجي تحت ذريعتين اثنتين: عدم السماح بتدخل قانون مدني في حياة الأسرة المحكومة بقوانين الأحوال الشخصية الدينية من جهة، واعتبار العلاقة بين الزوجينحقلا يمكن للمرأة التمنع عنه تحت طائلة النشاز. إني أرى في تشويه مادة الاغتصاب الزوجي وتجريمها تحت باب الإيذاء الجسدي بعد الحصول على تقرير طبي بتعطيل المغتصبة عشرة أيام عن عملها، بصمات هذه الجمعيات إلى جانب بصمات رجال الدين، والأهم ارتكاب جريمة إدخال العلاقة بين الزوجين كـحقللمرة الأولى في نص قانوني مدني. من هنا، لم تكن المعركة في وجه الأديان والنظام السياسي الطائفي المتظلل بمظلتهم فقط، بل أيضاً في مواجهة بعضأهل البيتالمفترضين.

عائق أساسي واجه معركة إقرار القانون تمثّل في التمييز القانوني والسياسي الذي مارسه ويمارسه النظام السياسي الطائفي في لبنان. هنا المرأة محرومة من بديهيات حقوقها، من منح جنسيتها لأسرتها وحتى لأولادها فقط تحت ذريعة الحفاظ على التوازن الديموغرافي الطائفي (برغم كل مراسيم التجنيس العشوائية وغير المحقة التي يرتكبها رجال السلطة)، وكما يتمنع لبنان أمام التوصيات الدولية في تقارير تقييم أدائه عن إزالة التحفظ على ثلاثة مواد في اتفاقية سيداو (كما غيره من البلدان العربية) بالإضافة إلى سلة من التمييز القانوني في الاقتصاد والعمل، فيما تتكلل المشاركة السياسية للمرأة المحكومة بالإرث (كل النائبات في البرلمانات السابقة ورثن رجلاً زوجا أو شقيقا أو أباً)، تتكلل كل تلك النظرة إلى المرأة كضلع قاصر تسهل استباحته كما في السياسة والمجتمع والقانون. أليس عنف الأديان في قوانين الأحوال الشخصية ضد المرأة ومعه عنف الدولة بحكوماتها ومجالس النواب المتعاقبة حجر الأساس في تبرير عنف المجتمع والتمهيد له وتغطيته؟

يهمني في خضم هذه العوائق أن أتوقف عند نقطة أساسية عبرت عنها الصديقة زويا روحانا وهي الشراكة المثمرة بين الإعلام والمجتمع المدني، والتي تصلح معركة إقرار قانون العنف الأسري نموذجاً لأهميتها وضروريتها وجدواها.

أسمح لنفسي، وأعتقد أن زويا توافقني القول، أنه لولا الإعلام لما وصلت معركة إقرار القانون إلى خواتيمها التي وإن لم تأت بمقدار طموحاتنا وبرغم تشوهاته، إلا أننا نعده انتصاراً مهما على طريق الحرب الكبرى في تحقيق الدولة المدنية ودولة العدالة الاجتماعية والمساواة لكل المواطنين.

هذا لا يقلل من عمل ونضال المجتمع المدني. فالإعلام وحده ليس مؤهلاً ولا مطلوب منه أن يطلق المعركة ويقودها وليس لديه القدرة على ذلك، لكنه، وتحديداً في قضية العنف الأسري، كان شريكا فعّالاً وحاسما في تحويل قضية تعنيف النساء وقتلهن إلى قضية رأي عام غطت في تلك الفترة على ما عداها من معارك.

طبعا لن أغفل نضال المجتمع المدني مع الإعلام نفسه، إلى جانب كوكبة من الناشطين ومن بينهم إعلاميون، لفرض هذه الأجندة النسوية على مؤسسات إعلامية اعتادت الغرق في السياسة بعيدا عن قضايا الناس. أقف عند هذه النقطة ليس لمنح الإعلام وساما لقيامه بواجبه، بل لأخذ الشراكة كمثال نسعى لتعميمه في معاركنا الحالية والمستقبلية، برغم بروز دور وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام البديل، لكنها تبقى إعلاماً.

واستكمل الإعلام دوره عبر تلك العين الرقابية التي أبقاها على محاكمات قتلة النساء الناتجة عن العنف الأسري، حيث ساهم في تصويب بعض الأحكام التي لم تنصف الضحايا، عبر الطعن بها وتمييزها قضائيا، كما تسابق القضاة في إصدار قرارات حماية منصفة للنساء كان الإعلام بانتظارها ويترقبها وينجز تقارير عنها. العين الساهرة على حقوق النساء لا تكتمل إلا بركنيها: مجتمع مدني أمين للحراك الأساسي في السنوات الأخيرة والذي كان نسويا بامتياز (إذا استثنينا حراك هيئة التنسيق النقابية) وإعلام أمين لرسالته ومسؤوليته المجتمعية.