IMG_8402

أوضاع المرأة البحرينية على مسطرة الفجوة الجندرية

إعداد:

فريدة غلام إسماعيل – عائشة بوجيري

تعرف الفجوة الجندرية أو فجوة النوع الاجتماعي أو الثغرة بين الجنسين، بالإنجليزية (Gender gap)، بأنها “التفرقة غير المتكافئة أو المتفاوتة بين الجنسين والاختلافات المتعارف عليها بين البنات والأولاد دون أن يكون لها علاقة بالبيولوجيا، بل تأثير البيئة المجتمعية. وفي أماكن العمل تشير الفجوة بين الجنسين إلى اختلافات فرص العمل والأجور بين الرجال والنساء. وقد قامت منظمة الأمم المتحدة بتعريب مصطلح الـ Gender gap)) إلى فجوة قائمة على نوع الجنس أوفجوة جنسانية، وعربته جهات أخرى إلى مصطلح فجوة النوع الاجتماعي، أما اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) فترجمته إلى فجوة بين الجنسين.()

وتحدد بعض التعاريف نوعين لفجوة النوع الاجتماعي: فجوة كمية وفجوة نوعية، حيث الفجوة الكمية هي التي تظهر في الإحصائيات والأرقام حول الفرق بين الذكور والإناث في مختلف المجالات، أما الفجوة النوعية فهي التي تتمثل في القوانين واللوائح التمييزية التي تكرس التفرقة بين الرجال والنساء في كافة المجالات. كما تتضمن الفجوة النوعية فجوة ”غير مرئية“ تتمثل في المعتقدات والتصورات والتحيزات التي تحدد الموقف من المرأة.

  1. بعض مجالات الفجوة الجندرية العالمية بين الجنسين وفي البحرين

يبحث تقرير الفجوة الجندرية العالمية للعام 2017، الفجوة بين الرجال والنساء في أربعة مجالات أساسية: المشاركة الاقتصادية وفرص العمل، التحصيل العلمي، الصحة والبقاء، والتمكين السياسي. وهذه المجالات الأربعة الرئيسة بدورها تتفرع إلى مؤشرات فرعية مختلفة يصل عددها إلى 14 مؤشرا.

ويتضمن مؤشر المشاركة الاقتصادية وفرص العمل بدوره ثلاثة مفاهيم: فجوة المشاركة، وفجوة المكافآت، والفجوة في التقدم أو الترقي. أما مؤشر التمكين السياسي فيقيس الفجوة بين الرجال والنساء على أعلى مستوى في صنع القرار السياسي من خلال نسبة النساء إلى الرجال في المناصب الوزارية، ونسبة النساء إلى الرجال في المناصب البرلمانية. بالإضافة إلى إدراج نسبة النساء إلى الرجال من حيث عدد السنوات في المكتب التنفيذي (رئيس الوزراء أو الرئيس) على مدى السنوات الخمسين الماضية.

وبشكل عام وعلى المستوى العالمي، الشكل رقم (1) يشير تقرير2017 إلى التراجع والتوسع في الفجوة بين الجنسين في جميع المجالات الأربعة، ولاسيما مجالي المشاركة الاقتصادية والفرص والتمكين السياسي اللذين تتركز فيهما الفجوات الأكبر. ( )

يبين التقرير أن 144 دولة شملها التقرير أغلقت 96٪ من الفجوة في النتائج الصحية بين النساء والرجال، دون تغيير منذ العام الماضي، وأكثر من 95٪ من الفجوة في التحصيل العلمي، وهو انخفاض طفيف مقارنة إلى العام الماضي، والذي يمثل أعلى قيمة تم قياسها على الإطلاق لهذا المؤشر الفرعي.

ومع ذلك، لا تزال الفجوات بين النساء والرجال حول المشاركة الاقتصادية والتمكين السياسي واسعة: فقد تم إغلاق 58٪ فقط من فجوة المشاركة الاقتصادية بمعنى بقاء فجوة مفتوحة بالغة 42% – وهي سنة ثانية متتالية من التقدم المعكوس وأدنى قيمة يقيسها المؤشر منذ عام 2008 – وتم إغلاق حوالي 23% للفجوة السياسية دون تغيير منذ العام الماضي مقابل اتجاه طويل الأجل للتحسن البطيء والمستمر، بمعنى بقاء 77% من الفجوة مفتوحة. في عام 2017، يقف متوسط ​​التقدم في سد الفجوة بين الجنسين على مستوى العالم عند 0.680، مما يعني أن فجوة متوسطة تبلغ 32٪ لا تزال مفتوحة في جميع أنحاء العالم بأبعاد المؤشر الأربعة من أجل تحقيق التكافؤ بين الجنسين. في العام الماضي كان متوسط ​​الفجوة 31.7%. )(

وأصبح لهذه التقارير أهمية بالغة في إلقاء الضوء على التفاوت القائم على أساس النوع الاجتماعي وقياسه عالميا وإقليميا، كمؤشرات مرجعية لمدى تحقق التقدم المنشود لردم الفجوة بين الجنسين في مجالات تعيشها وتلمسها المرأة بسلبية واضحة، بالإضافة إلى تلك التقارير المتعلقة بتقييم التقدم لأوضاع المرأة من أجل تحقيق المساواة مثل تقارير متابعة تنفيذ اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو).

وبالنسبة لمملكة البحرين فقد صادقت على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة في يونيو العام 2002 عبر المرسوم رقم (5) لسنة 2002، وعلى اتفاقيات أخرى لحقوق الانسان، وهذا يفرض عليها التزامات بتنقيح تشريعاتها وقوانينها الوطنية وإصدار تشريعات تتواءم ومضامين تلك الاتفاقيات، الأمر الذي كان محور نضالات ومطالبات الحركة النسائية البحرينية المستمرة منذ الخمسينيات. واليوم يحدد العديد من الهيئات الإقليمية والدولية العدالة والمساواة بين الجنسين كمجالين أساسيين لتحقيق التنمية على الصعيد العالمي والمنطقة العربية ويدعو إلى ضرورة توسيع نطاق تعريف المصطلح ليتجاوز مجرد القضاء على التمييز على أساس الجنس ليشمل آليات المساءلة والانتصاف لمعالجة الفجوات بين الجنسين ().    

  وتستعرض هذه الورقة عددا من المجالات التي تزداد فيها الفجوة الجندرية بين النساء والرجال في البحرين ومنها المجال الاقتصادي وفرص العمل، ومجال التمكين السياسي ومواقع اتخاذ القرار، والمجال التشريعي من خلال قوانين تمييزية مثل قانون الأسرة، وقانون الحماية من العنف الأسري، وقانون الجنسية، مع بيان الجوانب التمييزية المعيقة لإنفاذ المساواة وإلغاء التمييز على أساس النوع.

لقد نشرت منظمة اليونسكو التقرير العالمي للعلوم الاجتماعية لعام 2016 الذي يناقش “تحدي حالات عدم المساواة: مسارات من أجل مجتمع يسوده العدل”. يقول التقرير إن حالات عدم المساواة متعددة الأبعاد ومتعددة المستويات وتراكمية ويؤكد على أن تكاليف حالات عدم المساواة مرتفعة للغاية ويتحملها الجميع. وفي البحث الفرعي الذي قدمته شاهرة رزافي في تقرير اليونسكو حول ارتفاع عدم المساواة الاقتصادية وعدم المساواة بين الجنسين، قالت الباحثة أنه في البلدان منخفضة الدخل التي تفتقر إلى بنية تحتية أساسية، يتم تقييد وقت المرأة وطاقتها في أعمال منزلية كبيرة دون أجر مدفوع. أما في البلدان منخفضة الأجر التي تتوافر فيها البنية التحتية، يمكن أن يشكل الافتقار إلى سياسات ملائمة للأسرة لدعم النساء عائقاً كبيراً. وتشير إلى ضرورة الحصول على إجازة أمومة وإجازة أبوية مدفوعة ممولة جماعياً، والحاجة إلى خدمات رعاية الطفل الجيدة بوصفها عاملاً رئيساً في تمكين المرأة من المشاركة الاقتصادية. وتضيف أن الأدلة المقارنة من جميع أنحاء أوروبا أن البلدان التي تقدم دعماً شاملاً للوالدين العاملين، بما في ذلك تقديم خدمات رعاية الأطفال، لديها معدلات أعلى من عمالة الإناث مقارنة بالبلدان التي ليست لديها مثل هذه السياسات. ويمكن أن تساعد هذه السياسات في التخفيف من عائق الأمومة الذي يمثل ما يتراوح بين 40 و50 في المئة من الفجوة بين الجنسين في الأجور. وبعد أن لاحظت الباحثة أن استثمار المرأة في رأس المال البشري أصبح مساوياً أو يفوق نظيره عند الرجل، قالت إنه يمكن أن يُعزى استمرار الفجوة في الأجور بين الجنسين إلى حد ما إلى القواعد الرسمية والممارسات غير الرسمية التي تقدّر عمل الذكور والإناث بشكل مختلف، حيث تتداخل هذه الثغرات في الأجور على نحو وثيق بالفصل المهني القائم على أساس نوع الجنس الذي يضع المرأة والرجل في مهن مختلفة (الفصل الأفقي) وعلى مختلف المستويات أو الدرجات أو المناصب من حيث الأقدمية (الفصل العمودي). وتضيف أن انخفاض القيمة التي ترتبط بالمهام الأساسية للإناث، والتي تؤدى في المجال الخاص، مثل العمل المنزلي والتمريض والرعاية الصحية، تنتقل إلى سوق العمل لتخفيض قيمة الوظائف التي تهيمن عليها المرأة ().

وقد تعهد قادة مجموعة الـ 20 في عام 2014 بخفض الفجوة في معدلات المشاركة بين الرجل والمرأة بنسبة 25 في المائة بحلول عام 2025. ويُظهر تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية في 2017 أن خفض الفجوة بين الجنسين بنسبة 25 في المائة بحلول عام 2025 يضيف 5.8 تريليون دولار للاقتصاد العالمي ويعزز الإيرادات الضريبية ) (. وقد أشار التقرير إلى “تدني احتمال مشاركة المرأة كثيراً في سوق العمل مقارنة بالرجل، وحتى إذا دخلت سوق العمل فإن احتمال عثورها على عمل أقل منه بالنسبة للرجل“. وقال التقرير أن معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة في العالم بلغ 49%، وهو أدنى بنحو 27% من معدل مشاركة الرجل.

وبالنسبة لإدارة منشآت الأعمال، لاحظ واضعو التقرير أن عدد أصحاب العمل يفوق عدد صاحبات العمل في العالم بأربعة أضعاف. وتتجسد هذه الفجوات بين الجنسين أيضاً في المناصب الإدارية، إذ لا تزال هناك عوائق في سوق لعمل تواجه تولي النساء مناصب إدارية ().

وتشكو الدول العربية بالخصوص من استمرار معدلات عالية من اللامساواة الجندرية، حيث تبلغ البطالة وسط النساء 16.7%، أي ضعفها لدى الرجال، وتبلغ معدل مشاركتها في قوة العمل 19% ()  ، أي 30 نقطة مئوية أقل من المتوسط العالمي. ويقول تقرير منظمة العمل الدولية الصادر في 2018 إن الفجوات مرتفعة بالخصوص في الدول العربية ويعرب معدو التقرير عن قلق خاص بسبب حجم اللامساواة الجندرية في منطقتنا العربية ().

وفي تقرير آخر لمنظمة العمل الدولية “المرأة في العمل- اتجاهات 2016” وضع الباحثون الدول العربية في مؤخرة مناطق العالم من ناحية الفجوة الجندرية في المشاركة في قوة العمل، إذ تبلغ الفجوة 55% (أقل من امرأة لكل رجلين في سوق العمل) بينما لا تتجاوز 30% في أغلب مناطق العالم ().

النتيجة

المرتبة عالميا

ترتيب الدول العربية وفق تقرير الفجوة الجندرية 2017

المرتبة عربيا

0.651

117

تونس

1

0.649

120

الامارات العربية المتحدة

2

0.632

126

البحرين

3

0.629

127

الجزائر

4

0.628

129

الكويت

5

0.626

130

قطر

6

0.614

132

موريتانيا

7

0.608

134

مصر

8

0.604

135

الأردن

9

0.598

136

المغرب

10

0.596

137

لبنان

11

0.584

138

المملكة العربية السعودية

12

0.568

142

سوريا

13

0.516

144

اليمن

14

ويضع تقرير 2017 الفجوة الجندرية، منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (الوطن العربي) في مؤخرة ترتيب المناطق بفجوة تقدر بـ 40%، من بين 144 بلدا، ويضع علامة تتدرج من الصفر (0) إلى العلامة الكاملة: واحد (1) للبلدان التي ردمت الفجوة تماما.

تتربع الدول الاسكندنافية المراكز الأولى، أفضلهم آيسلندا بـ 0.878 نقطة. ومن الملفت أن ثلاث دول نامية/ناشئة تحتل مواقع في أفضل عشر دول، هي رواندا ونيكاراغوا والفلبين، بينما تحتل الدول العربية آخر الترتيب العالمي: تونس في المرتبة 117، البحرين 126، مصر 134، الأردن 135، المغرب 136، لبنان 137، السعودية 138، واليمن في مؤخرة الترتيب العالمي بالمركز 144. لذلك ليس من المستغرب القول إن من أهم ظواهر تخلف المنطقة العربية هو عدم انصاف المرأة في مجتمعاتها.

يقول التقرير إنه بهذا المعدل البطيء لردم الفجوة بين النساء والرجال فإن العالم سيستغرق 100 عام أخرى ليصل إلى التساوي بين الجنسين، وفي المجال الاقتصادي 217 عاما.

ويتضمن مؤشر المشاركة الاقتصادية وفرص العمل بدوره ثلاثة مفاهيم:

  • فجوة المشاركة (نسبة المرأة إلى الرجل في سوق العمل)
  • فجوة الأجور (فارق الأجر للوظيفة المتشابهة، دخل النساء مقارنة بالرجال)
  • الفجوة في التقدم أو الترقي (تمثيل النساء في الوظائف المهنية والتقنية والتنفيذية والعليا)

      أما مؤشر التمكين السياسي فيشمل قياسه:

  • نسبة مقاعد النساء إلى الرجال في البرلمان
  • نسبة النساء إلى الرجال في مناصب الوزراء
  • عدد سنوات وجود نساء في منصب رئيس الدولة مقارنة بالرجال على مدى السنوات الخمسين الماضية

وأصبح لتقرير الفجوة الجندرية وغيره من التقارير الدولية والإقليمية أهمية بالغة في قياس جوانب هامة من جوانب اللامساواة بين الجنسين، كونها مقياسا مرجعيا لمدى تحقق التقدم المنشود لردم الفجوة بين الجنسين في مجالات تعيشها وتلمسها المرأة بسلبية واضحة، وتساعد هذه التقارير الدول المتأخرة في الترتيب في البحث عن أسباب تفوق بعض الدول التي أصبحت نموذجا رائدا في وضع السياسات الصديقة للمرأة وتوزيع الموارد لتحقيق مساواة أفضل بين المرأة والرجل، بالإضافة إلى تلك التقارير المتعلقة بتقييم التقدم لأوضاع المرأة من أجل تحقيق المساواة مثل تقارير متابعة تنفيذ اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو).

وبالنسبة لترتيب البحرين في تقرير الفجوة العالمية 2017م، فقد جاء في مراتب متأخرة في مجالي المشاركة الاقتصادية والتمكين السياسي، بترتيب 120 و136 على التوالي من ترتيب 144 دولة. وهذا يدعو للمساءلة والبحث عن المعوقات، فالبحرين من الدول التي صادقت على اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وحدث ذلك في يونيو العام 2002 عبر المرسوم رقم (5) لسنة 2002، وعلى اتفاقيات أخرى لحقوق الانسان، مما يفرض عليها التزامات بتنقيح تشريعاتها وقوانينها الوطنية وإصدار تشريعات وإجراءات تصحيحية تتواءم ومضامين تلك الاتفاقيات، الأمر الذي كان محور نضالات ومطالبات الحركة النسائية البحرينية المستمرة منذ الخمسينيات.

تدعو اتفاقية السيداو لضمان حقوق المرأة للمشاركة في الحياة السياسية والحياة العامة بطريقة سوية، حيث تنص   المادة رقم (7) على تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الحياة السياسية والعامة للبلد، وبوجه خاص تكفل للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل، الحق في: (أ) التصويت في جميع الانتخابات والاستفتاءات العامة، وأهلية الانتخاب لجميع الهيئات التي ينتخب أعضاؤها بالاقتراع العام؛ (ب) المشاركة في صياغة سياسة الحكومة وتنفيذ هذه السياسة وفي شغل الوظائف العامة وتأدية جميع المهام العامة على جميع المستويات الحكومية؛ (ج) المشاركة في جميع المنظمات والجمعيات غير الحكومية التي تعنى بالحياة العامة والسياسية للبلد .

  كما تنص المادة (8) على: تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للمرأة، على قدم المساواة مع الرجل ودون أي تمييز، فرص تمثيل حكومتها على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظمات الدولية.”

وبالنسبة للمجال الاقتصادي وحق المرأة في العمل دون تمييز تنص المادة (11) من الاتفاقية على تتخذ الدول الأطراف جميع ما يقتضي الحال اتخاذه من تدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل لكي تكفل لها على أساس تساوي الرجل والمرأة نفس الحقوق“.

وتتناول المادة (11) المعنية بحق العمل أجزاء فرعية عديدة؛ حول حق المرأة في العمالة بشكل عام، وكذلك منع التمييز في مكان العمل بسبب الحمل أو الزواج وضمان المساواة في الحصول على فرص العمل، والمساواة في حرية اختيار الوظيفة أو المهنة، والمساواة في الترفيه والأمن الوظيفي والمنافع، والأجر المتساوي للعمل المتساوي، والحق في الضمان الاجتماعي، والحق في ظروف العمل الصحية الآمنة، ومنع التمييز في مكان العمل وحظر ومعاقبة الفصل عن العمل بسبب الزواج أو الحمل، ووضع تشريعات لإجازات الأمومة، وخلق شبكة من مرافق العناية بالأطفال لمساعدة الأمهات العاملات، وتوفير حماية للنساء الحوامل في بيئات العمل التي قد تكون ضارة بصحتهن. وفي عام 1989، أضافت اللجنة المعنية باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي أوكلت إليها مهمة الإشراف على متابعة تنفيذ الاتفاقية، في ملاحظتها العامة رقم 12 في تفسير المادة 11، واجب الدولة في حماية المرأة من العنف، بما في ذلك التحرش الجنسي في مكان العمل.

المجال

الترتيب العالم للبحرين

المشاركة الاقتصادية والفرص

120

التمكين السياسي

137

التحصيل العلمي

75

الصحة والبقاء

136

في هذه الورقة المختصة بالبحرين، سنركز على جانبي المشاركة الاقتصادية والسياسية والتمكين السياسي من مواقع اتخاذ القرار، حيث جاء ترتيب البحرين متأخرا في هذين المجالين، بترتيب 120 و137 على التوالي من ترتيب 144 دولة يرصدها تقرير الفجوة الجندرية العالمية، أما الفجوتان الجندريتان في مجالي التعليم والصحة بالبحرين فهما محدودتان للغاية.

وسنعرض كذلك أهم القوانين التمييزية ضد المرأة البحرينية مثل قانون الأسرة، وقانون الحماية من العنف الأسري، وقانون الجنسية، مع بيان الجوانب التمييزية المعيقة لإنفاذ المساواة وإلغاء التمييز على أساس النوع.

الفجوة بين الجنسين في مجال العمل:

أقرت منظمة العمل الدولية مفهوم ” مساواة الأجور بين الرجال والنساء كأساس للعدالة الاجتماعية، وأطلقت عام 1951م الاتفاقية رقم 100 حول المساواة في الأجر، غير أن البحرين لم تصادق على هذه الاتفاقية، وصادقت في عام 2000م على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 111 لسنة 1958م، التي تؤكد على عدم التمييز في التوظيف والمهنة على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين.

ويؤكد ميثاق العمل الوطني ودستور مملكة البحرين على كفالة الدولة التوفيق بين واجبات المرأة نحو الأسرة وعملها في المجتمع ومساواتها بالرجال في ميادين الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وتشير المادة (11) من اتفاقية السيداو إلى اتخاذ الدول لكافة التدابير من أجل القضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان العمل، وتضمن لها التساوي في الحقوق مع الرجل، ومنها الحق في العمل والتمتع بنفس فرص التوظيف، وحرية اختيار المهنة والحق في الترقي الوظيفي والحصول على التدريب، والحق في المساواة في الاجر، والحق في الضمان الاجتماعي، وفي الوقاية الصحية وسلامة ظروف العمل ومنع التمييز ضد المرأة بسبب الزواج والأمومة، وصادقت البحرين على الاتفاقية دون أي تحفظ على المادة (11).

وقد شهدت العقود الأخيرة تفوقا للنساء في مجال التحصيل التعليمي، خاصة الجامعي، إذ بلغت أعداد النساء البحرينيات المسجلات في مؤسسات التعليم العالي 20,422 (62%) مقابل 12,652 (38%) للرجال البحرينيين (). مع ارتفاع مستوى التعليم للمرأة البحرينية وتفوقها على الرجل، وفق لوحات شرف خريجي الثانوية العامة، وارتفاع نسبة النساء الحاصلات على شهادات أكاديمية بعد الثانوية العامة مقارنة بالرجال، زادت مشاركة النساء في مجالات العمل والاقتصاد، وارتفعت نسبة تمثيلها في القوى العاملة بشكل ملحوظ.

فجوة المشاركة في سوق العمل

ومع منتصف عام 2018 تساوت أعداد النساء العاملات في القطاع المدني الحكومي مع أعداد الرجال كما تظهره بيانات المشتركين بنظام التقاعد الحكومي، إذ بلغ عدد النساء المشتركات 26,688 امرأة مقابل 26,981 رجل (). ولا تعلن الحكومة عن إحصاءات حول عدد العسكريين من النساء أو الرجال أو العدد الإجمالي للعاملين في المؤسسات الأمنية والعسكرية، لكن طغيان الذكور على الإناث بنسب كبيرة في هذه المؤسسات من المسلمات. إن تقلص فرص العمل الحكومي بسبب تراجع أسعار النفط وطرح الحكومة برنامجا مغريا للتقاعد المبكر سيخفض من أعداد العاملين في القطاع الحكومي المدني، وربما ينعكس ذلك سلبا على مشاركة المرأة في سوق العمل.

أما في القطاع الخاص فمازالت مشاركة النساء في سوق العمل منخفضة (). فحسب إحصاءات التأمين الاجتماعي فإنه من مجمل 93 ألف عامل وعاملة، تشكل النساء 34% من قوة العمل البحرينية، ورغم ذلك فإن هذا تحسن ملحوظ عن النسبة البالغة 28% قبل عشر سنوات أي في نهاية 2007 (). ولا يوجد نقص في الوظائف التي يولدها الاقتصاد الوطني، إذ أن الوافدين يشغلون أكثر من 600 ألف وظيفة لا يشغلها مواطنون.

وفي إجمالي القطاعين الخاص والعام المدني، ارتفعت مشاركة المرأة البحرينية من 33% نهاية 2007 إلى 40% في منتصف 2018، غير أن الإحصاءات البحرينية المتوافرة لنا تستثني العاملين في المؤسسات العسكرية والأمنية التي يهيمن عليها الذكور وتشكل جزءا كبيرا من قوة العمل، وربما تنخفض نسبة مشاركة المرأة إلى ما يقارب 35% لو أدمجنا العاملين في هذه المؤسسات، وهو رقم يقل بشكل ملحوظ عن المتوسط العالمي. وحسب إحصاءات البنك الدولي، فإن نسبة مشاركة المرأة إلى مشاركة الرجل تساوي 50.6% (امرأة تعمل مقابل كل رجلين) وهي نسبة تبعد كثيرا عن المتوسط العالمي البالغ 67.5% (امرأتان تعملان لكل ثلاثة رجال) في 2017 ().

ورغم أن البطالة وصعوبة الحصول على عمل يلقيان بظلالهما على الجميع، إلا أن المرأة تواجه صعوبة أكبر في الحصول على عمل، فالنساء تمثلن النسبة الأكبر من مجموع العاطلين، إذ تشير الأرقام الحكومية إلى أن العاطلات عن العمل يشكلن أكثر من 82% من مجموع العاطلين في 2016 ().

فجوة الأجور

وقد ساهم التعليم العالي للمرأة في ردم فجوة الأجور بشكل كبير في القطاع العام المدني، حيث أن المؤهلات الجامعية الأعلى تسمح للمرأة بدخول القطاع الحكومي بأجر أكبر من أجر الرجل الأقل تعليما في المتوسط. وتتركز النساء خاصة في قطاعي التعليم والصحة اللذين يتطلبان تعليما عاليا في أغلب مواقعهما.

وحسب إحصائيات 2018 فإن المرأة تحصل في المتوسط أجرا شهريا يبلغ 886 ديناراً مقابل 936 للرجل، أي أن فجوة الأجور لا تزيد عن 5% ()، وربما لهذا السبب حققت البحرين موقعا ممتازا، في المركز التاسع عالميا، في مؤشر الأجر المتساوي في تقرير الفجوة الجندرية.

غير أن للقطاع الخاص ديناميكيته المستقلة عن القطاع العام، فسلم الأجور ليس له كادر مهني نظامي يحدده ديوان الخدمة المدنية حيث تلعب سنوات الخدمة عاملا كبيرا في تحديد الأجور التي يتقاضاها الرجال والنساء. فما زالت فجوة الأجور في القطاع الخاص بين الجنسين هائلة، أكثر من 31% (مقارنة بـ 35% قبل 10 سنوات)، إذ تتقاضى المرأة في المتوسط أجرا يبلغ 556 دينارا في الشهر مقابل 812 ديناراً يتقاضاها الرجل ().

ولم يعد ممكنا تفسير الفجوة بعامل التعليم أو عدد سنوات الخدمة، إذ يبدو أن العوامل الرئيسة لهذه الفجوة في الأجر تتعلق ببقايا تحيز اجتماعي يمنح قيمة أقل لعمل المرأة، إضافة إلى التزامات المرأة الأسرية التي تدفعها لأخذ إجازات طويلة للحمل والولادة والتفرغ لتربية الأطفال والعناية بالمرضى وكبار السن في العائلة.

كما يلاحظ أن الفجوة كبيرة بين ما تتقاضاه النساء في القطاع الخاص مقارنة بنظيراتها في القطاع العام، إذ تبلغ 37%، وهذا ما يفسر سبب تفضيل النساء العمل في القطاع العام، فضلا عن الأسباب الأخرى المتعلقة بقصر ساعات العمل وطول الإجازات السنوية وساعات الرضاعة وإجازة الوضع والأمان الوظيفي لصالح موظفي القطاع العام.

الفجوة في التقدم أو الترقي

متوسط الأجر

الذكر

الأنثى

الفجوة

20-29 سنة

470

452

4%

30-39 سنة

812

629

22%

40-49 سنة

1209

615

49%

50-59 سنة

1467

593

60%

ومن الملاحظ أن فجوة الأجر في القطاع الخاص بين الذكر والأنثى محدودة لا تتجاوز 4% في بداية عمل المرأة أي الفئة العمرية 20-29 سنة، لكنها ترتفع بشكل حاد لتسجل 22% في الفئة العمرية 30-39، ثم 49% في الفئة 40-49، لتصل إلى 60% في فئة 50-59 (). وبطبيعة الحال فإن الأجر مرتبط بالارتقاء الوظيفي، لذلك فإن هذه الأرقام تقودنا إلى استنتاج أن فرص الترقي للمرأة في القطاع الخاص محدودة مقابل زميلها الرجل، الأمر الذي لا يتيح لها فرصا كبيرة في تقلد مناصب الإدارة الوسطى والعليا في مؤسسات القطاع الخاص. ومن المرجح أن المرأة، كلما تقدمت في العمر كلما اصطدمت بأسقف جديدة تمنعها من الترقي، بعضها خاص باضطرارها ترك العمل في إجازات الحمل والولادة، وأخرى بسبب تحملها العبء الأكبر من الالتزامات الأسرية، إضافة إلى الرؤية المجتمعية الدونية للمرأة التي تعيق تبوّأها مواقع قيادية متقدمة.

وقد استمرت فجوة التمثيل في المواقع العليا من قيادة القطاع الخاص سحيقة. ففي قطاع الشركات المدرجة في سوق البحرين للأوراق المالية (بورصة البحرين)، تغيب المرأة بشكل ملحوظ عن التمثيل في مجالس الإدارة، إذ توجد 8 نساء من مجموع 359 عضواً مجلس إدارة، أي فقط 2.2%. ومن أصل 39 شركة مدرجة، هناك فقط 7 شركات تتمثل المرأة في مجالس إدارتها. ويزيد الأمر سوءا فيما يتعلق بمنصبي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي حيث لا تتمثل المرأة فيهما إطلاقا ()

أما فيما يتعلق بالقوانين والتشريعات، فهناك تفاوت بين قانون الخدمة المدنية الصادر بمرسوم رقم (46) لسنة 2010 الخاص بالقطاع الحكومي، وقانون العمل رقم (36) لسنة 2012 للقطاع الخاص فيما يتعلق بإجازة الوضع والأمومة، إلا أن كليهما يحدد إجازة الوضع بـ 60 يوما. غير أن كلفة إجازات الوضع والأمومة يتحملها صاحب العمل وليس نظام التأمين الاجتماعي كما هو معمول في الدول المتقدمة. وفي حين أن ساعات الرضاعة في القطاع الحكومي يحددها القانون بساعتين لمدة سنتين، فإنها تحدد في القطاع الخاص بساعتي رعاية لمدة 6 أشهر وساعة لمدة 6 أشهر أخرى. كما إن قانون الخدمة المدنية وحسب المادة (32 ب) يعطي المرأة العاملة الحق في طلب إجازة دون راتب لمدة سنتين ولها أن تطلبها ثلاث مرات طوال فترة عملها، أما في قانون العمل رقم 36 لسنة 2012 للقطاع الخاص، فلها حق طلب إجازة دون راتب لمدة 6 أشهر كحد أقصى ولثلاث مرات خلال فترة عملها.( )

السياسات المطلوبة لخفض اللامساواة وردم الفجوة الجندرية

تحتل آيسلندا منذ تسعة أعوام المرتبة الأولى عالميا من ناحية قدرتها على خفض اللامساواة الجندرية. يقول مسؤولو وزارة الرفاه في آيسلندا أن المساواة الجندرية لا تأتي طواعية، فهي بحاجة لعمل وتضامن جماعي يشمل المدافعات عن حقوق المرأة، مقترنا بإرادة سياسية وأدوات تشريعية وموازنات ونظام كوتا.

في الدول الصناعية المنتمية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، تنفق هذه الدول ما يعادل 2.43% من ناتجها المحلي الإجمالي على العوائل التي لديها أطفال، على شكل مبالغ مالية نقدية لدعم الوالدين أثناء إجازة الوضع ورعاية الأطفال، أو لدعم خدمات مثل رسوم الحضانات والروضات، أو بإعفاءات ضريبية. وفي بعض هذه الدول تصل النسبة إلى 3.5% من إجمالي الناتج المحلي ().

بينما تقرر منظمة العمل الدولية أن الحد الأدنى لإجازة الوضع هو 14 أسبوعا، فإن المرأة في دول OECD في عام 2016 كانت تحصل في المتوسط على 18 أسبوعا، منها ما لا يقل عن 3 أشهر مدفوعة الأجر. وفي بعض دول المنظمة تزيد إجازة الوضع المدفوعة عن 6 أشهر، حيث تبلغ في بريطانيا 9 أشهر منها 12 أسبوعا مدفوع الأجر. وفي حين أن بعض هذه الدول تدفع أجرا كاملا طوال مدة الإجازة فإن بعضها يدفع جزءا من الأجر. وأفضل هذه الدول من ناحية الأجر المدفوع هي سلوفاكيا 24 أسبوعا، اليونان 23 أسبوعا، بولندا 20 أسبوعا. علاوة على ذلك فإن بعض الدول تمنح الرجل إجازة أبوّة تتراوح بين أسبوع وثلاثة أسابيع مدفوعة الأجر كليا أو جزئيا. وفي بعض الأحيان تقوم الولايات والمحليات بتمويل إجازات إضافية مدفوعة الأجر، كما تتطوع الشركات بدفع مبالغ إضافية فوق ما تدفعه مؤسسات الضمان الاجتماعي ().

لقد وجدت دول متقدمة أن تسريع تقلد المرأة المناصب القيادية في قطاع الأعمال يستلزم نظام كوتا طوعي أو قانوني. وقد كانت النرويج أول من وضع تشريعا عام 2006 لتخصيص 40% من مقاعد مجالس إدارة الشركات العامة المدرجة في البورصة لصالح المرأة. ومنذ ذلك الحين وضعت دول أخرى مثل بلجيكا وآيسلندا وإيطاليا وهولندا وأسبانيا تشريعات مماثلة، فيما هددت دول أخرى مثل بريطانيا القطاع الخاص بتطبيق نظام كوتا إذا فشل في رفع نسبة تمثيل المرأة في مجالس إداراته بشكل طوعي(). في عام 2007 كانت نسبة النساء الفرنسيات في مجالس إدارة الشركات العامة 8.5% فقط. لذلك شرعت فرنسا عام 2011 نظام الكوتا في مجالس الإدارة ووضعت هدف تحقيق 20% عام 2014 و40% عام 2018. وقد فاقت النتائج الهدف الموضوع عام 2014 إذ أصبح أكثر من 30% من أعضاء هذه المجالس من النساء.

إن تلبية الحقوق الإنسانية للمرأة وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني وفي مواقع صنع القرار تستلزم وضع استراتيجيات وطنية للنهوض بالمرأة، أوسع وأعمق من تلك التي اعتمدها المجلس الأعلى للمرأة، من بينها سن تشريعات تمنع التمييز، وتلزم بتساوي الأجر للعمل المماثل، وتضع نظام كوتا تدريجي كإجراء تمييزي ايجابي يختص بالتمثيل السياسي في مجلس النواب والمجالس البلدية والمواقع التنفيذية العليا في الدولة، وفي مجالس إدارات الشركات الحكومية والمدرجة في سوق البحرين للأوراق المالية. ذلك لان وجود المرأة في مجالس الإدارة أو على رأس العمل يساهم في القضاء التدريجي على فكرة أن المرأة لا تصلح للعمل في مواقع القيادة. تقول ديبورا غرينفيلد، نائب المدير العام لشؤون السياسات في منظمة العمل الدولية: “سواء تعلق الأمر بالحصول على عمل أو عدم المساواة في الأجور أو غيرها من أشكال التمييز، فإننا بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود لعكس هذا الاتجاه المستمر وغير المقبول عبر وضع سياسات مصممة خصيصاً للمرأة، وتراعي الاحتياجات غير المتساوية التي تواجهها في المنزل فضلاً عن مسؤوليات الرعاية” ().

المشاركة السياسية ومواقع اتخاذ القرار

يمكننا التجوال في كل الأقطار العربية لنجد الظاهرة نفسها تتكرر، باستثناءات قليلة:

حضور سياسي طاغ للرجل ومحدود للمرأة، إلا عندما يطبق نظام الحصة النسائية (الكوتا). يمكن ملاحظة ذلك بجلاء في التعيينات الوزارية أو في نسب التمثيل في البرلمانات أو في غيرها من المؤشرات التي تقيس مدى تمثيل المرأة.

السبعة عشر دولة عربية التي رصدها اتحاد البرلمانيين Inter-Parliamentary Union في خارطة للعالم تحت عنوان “المرأة في السياسة 2017″، تظهر عدد البرلمانيات في مجالس النواب والشيوخ (الشورى) العربية ().

ومن بين 193 دولة تم رصدها، احتلت الدول العربية أغلب المراكز المتأخرة من حيث نسبة عدد البرلمانيات النساء: اليمن في المركز الأخير 193، قطر 191، عمان 189، لبنان والكويت 183، البحرين 170، سوريا 136، مصر 131، الأردن 130، ليبيا 123، السعودية 97، الامارات، 94، المغرب 90، العراق 67، السودان 46، تونس 41، الجزائر 40 ().

ومن الملاحظ أن أعلى نسب للبرلمانيات النساء هي في دول تطبق الكوتا: الجزائر بنسبة 32%، تليها تونس 32%. وقد نص الدستور العراقي الذي وضع بعد الاحتلال الأمريكي على كوتا للمرأة تساوي 25% من المقاعد.

وفي البحرين، على الرغم من نص المادة رقم (18) من الدستور البحريني على مبدأ المساواة بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات العامة ، ونص المادة رقم (1) الفقرة (ه) في الدستور على حق النساء اسوة بالرجال في المشاركة في الشؤون السياسية والعامة ” للمواطنين رجالا ونساء، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما في ذلك حق الانتخاب والترشيح” ، وكذلك المادة رقم (7) من اتفاقية السيداو، التي لم تتحفظ عليها مملكة البحرين، وتنص على مبدأ المساواة في المشاركة السياسية، الا أن تمثيل المرأة البحرينية في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والمحلية ما زال ضعيفا للغاية، ولازالت أعداد النساء قليلة جدا في مواقع صنع القرار والمراكز العامة.

ورغم تبنى الدولة الهدف رقم (5) تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات ، بمقاصده الفرعية التسعة، وكذلك باقي أهداف التنمية المستدامة  الـ 17 الواردة في خطة التنمية المستدامة لعام 2030 المقرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 سبتمبر2015، بمقاصدها الفرعية لضمان مشاركة المرأة الفعالة في القيادة على جميع مستويات صنع القرار في الحياة السياسية والاقتصادية والعامة ()، ورغم إصدار نسخ الخطط الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة وتشكيل لجان التكافؤ في المؤسسات الرسمية وغيرها من الجوائز التشجيعية الرسمية، فإن المرأة مازالت خارج دوائر صنع القرار، مما يشير إلى عدم كفاية تلك الإجراءات السابقة وعدم فاعليتها في مأسسة تمثيل النساء في مواقع السلطة حيث مازالت تلك المسألة عرضية ومتأرجحة. 

لم يتخطى عدد النائبات المنتخبات البحرينيات في مجلس النواب منذ أول انتخابات نيابية في البحرين 2002م الـ (4) نائبات، أي 10% من مجموع أعضاء مجلس النواب البالغ 40، وجاء هذا العدد في ظروف استثنائية تلت الاحتجاجات السياسية في فبراير 2011، حيث تمكنت أعداد محدودة من النساء من الفوز بالمقاعد النيابية بأصوات قليلة في غالبية الدوائر المحسوبة على قوى المعارضة، عندما قاطعت كبرى الجمعيات السياسية الانتخابات، والأمر ليس أفضل حالا بالنسبة للمجالس البلدية حيث لا يتعدى عددهن 3 نائبات، أي 10% من مجموع النواب البلديين. ويبين الشكلين المرفقين أعداد النائبات في المجلس النيابي والمجالس البلدية على مدى الانتخابات الأربعة السابقة.        

وقد دعا الاتحاد النسائي البحريني الدولة، إلى تنفيذ توصيات تقرير اللجنة الأممية المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة، التي قدمتها للدولة بعد عرض التقارير الرسمية، وهي توصيات وملاحظات تحث الدولة على اعتماد وتنفيذ تدابير خاصة مؤقتة تهدف إلى تحقيق المساواة الفعلية أو الموضوعية بين الرجل والمرأة في المجالات التي تعاني فيها المرأة من نقص التمثيل أو الحرمان، بما في ذلك نقص التمثيل والحرمان في الحياة السياسية وهيئات صنع القرار في القطاعين العام الخاص، بما يشمل وضع أهداف وحصص بجدول زمني محدد، مع اتخاذ كافة الخطوات الواجبة من قبيل إحاطة المسؤولين المعنيين وتدريبهم بشأن الطابع غير التمييزي للتدابير الخاصة المؤقتة وإدراج أحكام في التشريعات تهدف إلى تشجيع استخدام التدابير المؤقتة الخاصة، في القطاعين العام والخاص على السواء.

ويدافع الاتحاد النسائي عن دستورية الكوتا كتدبير وعلاج مؤقت، وعن كونها غير تمييزية ولا تشكل تمييزا بحكم المادة (4) من الاتفاقية، حيث سيوقف العمل بها متى تحققت أهداف التكافؤ في الفرص والمعاملة، كما يشير الاتحاد النسائي إلى تجارب الدول العديدة التي أخذت بآلية الكوتا وضمنتها في نصوص دستورية. ويشير تقرير الاتحاد إلى إصدارات ديوان الخدمة المدنية من تعليمات رقم (4) لعام 2014 بشأن انشاء لجنة تكافؤ الفرص بالجهات الحكومية، وإلى مبادرات المجلس الأعلى للمرأة مثل تشجيع مفهوم الموازنات المستجيبة لاحتياجات المرأة بالدولة ورصد الجوائز لأكثر المؤسسات العامة والخاصة التي تعمل على تمكين المرأة، ويوضح أنه لا يمكن لكل ذلك أن يكون بديلا عن نظام الكوتا لأنها إجراءات تفتقد صفة الإلزام والقياس للإنجازات المجدولة على صعيد الواقع العملي، مع ضرورة المتابعة الفعالة لتأثيرات وحدات تكافؤ الفرص بالمؤسسات الرسمية وقياس مدى التقدم لصالح النساء().

وكانت هناك مطالبات سابقة في تقرير الظل الذي قدمه الاتحاد النسائي في 2014 للدولة باتخاذ إجراءات قانونية تدعم تمثيل النساء كتخصيص حصة أو نسبة  تبلغ 30% للنساء من المقاعد الانتخابية النيابية والبلدية وفي كافة الهيئات التشريعية والتنفيذية والقضائية عملا بمقررات منهاج عمل بيجين ، واعتماد النظام النسبي والقوائم الانتخابية، و تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية لتشجيع الجمعيات السياسية (الأحزاب) تخصيص نسبة لا تقل عن 30% للمرأة على قوائمها الانتخابية وفي مواقع متقدمة ()، وكذلك تعديل قانون الجمعيات الأهلية رقم (21) لسنة 1989م بإلغاء المادة (18) منه، التي تمنع مؤسسات المجتمع المدني الخاضعة للقانون من الاشتغال في السياسة، الأمر الذي يمنع الجمعيات النسائية من القيام بأي نشاط يتعلق بالانتخابات، وكذلك تقديم أوجه الدعم اللازمة والجادة للنساء في المعترك السياسي، وضمان تواجدها بنسبة 30% كحد ادنى في اللجان السياسية الهامة الخاصة بالحوار الوطني وغيره من المواضيع الهامة.   

وفي أجراء يقوض حقوق وأعداد النساء والرجال في المشاركة السياسية، تم تعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية ليمنع قيادات وأعضاء الجمعيات السياسية الفعليين المنحلة بحكم نهائي لارتكابها مخالفة جسيمة لأحكام دستور المملكة أو أي قانون من قوانينها () من الترشح إلى مجلس النواب، وذلك إثر حل القضاء البحريني ثلاث جمعيات سياسية (أحزاب) معارضة هم جمعية العمل الإسلامي، جمعية “الوفاق” الإسلامية في 2016، وجمعية “وعد” العلمانية في 2017م لآرائها السياسية المعارضة.                  

يشير تقرير الفجوة العالمية للعام 2017 إلى تخلف البحرين، والعرب بشكل عام، في الترتيب العالمي في مجال التمكين السياسي للمرأة، حيث يقيس تمثيل المرأة في البرلمان، وفي المناصب الوزارية، وفي رئاسة الدولة، ولا يتعدى تمثيل المرأة في مجلس النواب 7.5% وفي المجالس البلدية 10% كما ذكر سابقا.

وتحدد الإحصاءات الرسمية عدد الوزيرات البحرينيات ومن في حكمهن بـ (6) وزيرات، إلا أنه وفقا للموقع الرسمي لمجلس الوزراء، هناك وزيرة واحدة فقط ضمن التشكيل الوزاري الحالي وهي وزيرة الصحة.

وبالنسبة للنساء اللاتي تم تعيينهن برتبة وزير ولا يتعدى عددهن الـ (2)، فإن صلاحياتهن متشابهة وتلك المناطة بالعدد الهائل من المستشارين الرجال، دون سلطات وزارية. وحتى تلك النساء اللاتي يشغلن

نسبة المرأة

الرجل

المرأة

المنصب

5%

19

1

الوزراء

17%

35

7

وكلاء الوزراء ومن في حكمهم

9%

29

3

وكيل وزارة

8%

12

1

أعضاء المجلس الأعلى للقضاء

مناصب الوكلاء، وعددهن 3، ومن في حكم الوكلاء وعددهن (4) فإن نسبهن متدنية. وفي مجلس القضاء الأعلى هناك امرأة واحدة وسط 12 رجلا. وقد تم تعيين 13 قاضية في السلك القضائي، إلى جانب 5 رؤساء نيابة، وهي وإن كانت خطوة إيجابية فهي لا ترتقي إلى المستويات المنشودة.

وعلى صعيد التعيين الرسمي في المناصب التنفيذية فإن بلوغ الحد الأقصى للشوريات في عمر مجلس الشورى المعين (11) امرأة شورية في 2010 من أصل 40 عضوا لينخفض إلى (10) شوريات في 2014م، وبلوغ الحد الأقصى لعدد السفيرات (3) سفيرات في 2010، لينخفض إلى سفيرة واحدة حاليا، لا يعكس قناعة وتدابير مؤسسية ثابتة لتمكين المرأة من المناصب الدبلوماسية التي هي عادة ما تكون حكرا على الرجال. 

إن مثل هذا التمثيل الهزيل للمرأة البحرينية في المجال السياسي يدعو الدولة إلى إظهار إرادة سياسية ملتزمة، باعتماد نهج مؤسسي وشمولي في فهم التمثيل السياسي للمرأة وتعزيزه، حيث ينبغي تطبيق منهجية ثابتة لزيادة وجود النساء في كل هياكل الدولة بما يتعدى السلطة التشريعية، وأن يتم تزويدها بما يلزم من المعرفة والخبرة والشبكات.

إن العوائق أمام المرأة البحرينية هي ذاتها التي تعرضها دراسة الإسكوا الأخيرة حول التمثيل السياسي للمرأة في المنطقة العربية، وهي موجودة على أبعاد متشابكة من بينها المعتقدات الاجتماعية الثقافية وأعراف المجتمعات الأبوية المكرسة للأدوار النمطية، والعوائق المؤسسية القوية المتمثلة في التمييز القانوني المستمر والعمليات التي لا تراعي المساواة ولا تزود المرأة بالأدوات. وإن التركيز على زيادة عدد المقاعد المخصصة للنساء لا يكفي، بل يجب اعتماد نهج شمولي في فهم دور الأحزاب والمشاركة السياسية والعوائق القائمة، وصناعة السياسات التي تعالج أيضا الحواجز المؤسسية والاجتماعية والثقافية، وتضمن للمرأة ليس فقط مقاعد تشريعية بل أدوارا حقيقية في العمليات السياسية الرسمية وغير الرسمية. وينبغي أن تستفيد سائر النساء من المشاركة السياسية ومنهن المرأة العادية والناقدة والمعارضة وليس القلة من النساء البرجوازيات ومن الطبقة العليا أو المواليات اللاتي عادة ما تدافعن عن مصلحة من قام بتعيينهن وليس مصالح النساء ().

ستستعرض الأجزاء التالية عددا من التشريعات التمييزية الحرجة لحياة المرأة والأسرة البحرينية مع بيان الجوانب التمييزية المعيقة لإنفاذ المساواة وإلغاء التمييز على أساس النوع، وهذه المجالات هي قانون الأسرة، والحماية من العنف الأسري، وحق النساء البحرينيات المتزوجات من أجنبي في تمرير جنسيتهن إلى أطفالهن، ومراكز النساء البحرينيات في العمل ومواقع اتخاذ القرار.

2. قانون أحكام الأسرة بالبحرين ومسيرة طويلة من المطالبات

يعد التشريع مرآة للمجتمع، ويعكس النظام القانوني البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية السائدة، وعليه ينطلق النظام القانوني من الرؤية الأيديولوجية للمشروع المجتمعي وعلاقات النساء والرجال فيه سواء اتسمت بالتمييز أو المساواة. وليس غريبا أن تتضمن التشريعات الوطنية أحكاما متناقضة، بعضها يكرس مبدأ المساواة لاسيما في مجال الحياة العامة والمشاركة السياسية وأحكاما أخرى تتعامل مع المرأة بمرجعية جنسها وطبيعتها أو إلى الأخلاق أو الشريعة الإسلامية مثل قوانين الأسرة ()

وتعد قوانين الأحوال الشخصية أو قوانين الأسرة من التشريعات الوطنية ذات التأثير البالغ في تهيئة البيئة الملائمة للعدالة بين الجنسين بحكم القانون، خاصة وأن كثيرا من الدساتير الوطنية تحدد الأسرة بوصفها الوحدة الأساسية للمجتمع.. ويحدد الباحثون أهمية القانون لاحتكاك المرأة به بشكل أساسي ومتكرر كون المرأة تؤدي الدور الأكبر في الأسرة، ولأن القانون يشتمل على أحكام كثيرة ومحددة تحكم حياة المرأة في الأسرة ضمن الإطار الاجتماعي المعمول به.

ورغم أن دستور مملكة البحرين في المادة (5) يعزز دور الأسرة كركيزة أساسية من ركائز المجتمع في بناء الاستقرار الاجتماعي والتنموي، وكذلك يفعل ميثاق العمل الوطني، فإن حالة البحرين لا تختلف عن حال غالبية الدول العربية من حيث اتباع قانون أحكام الأسرة النظام المجتمعي السائد الذي يوزع الأدوار، وبالتالي الحقوق والواجبات السائدة بين النساء والرجال، حيث يهدف القانون إلى توطيد هيكل الأسرة وإملاء وتيسير الأدوار والعلاقات بين أفراد الأسرة وليس حقوقها، كما يلغي حقوقا أخرى أوسع مجالا مرتبطة بالمواطنة().

نبذة مختصرة عن المسيرة التاريخية ودور الحركة النسائية لإصدار قانون الأسرة:

لقد صدر قانون أحكام الأسرة الموحد بتاريخ 19 يوليو 2017، وفق قانون رقم (19) لسنة 2017 وتم نشره في الجريدة الرسمية وعمل به منذ الأول من أغسطس 2017، وألغى القانون الموحد سابقه قانون أحكام الأسرة (الشق السني) الذي صدر في عام 2009م.

ولم يأت القانون سهلا بل ولد بعد مخاض طويل وعسير امتد لأكثر من 30 عاماً من النضال بدأته وتصدرته الحركة النسائية في مملكة البحرين. فالبداية كانت بتشكيل لجنة الأحوال الشخصية الأهلية في العام 1982م، بمبادرة من ثلاث جمعيات نسائية رائدة هي جمعية نهضة فتاة البحرين وجمعية أوال النسائية وجمعية رعاية الطفل والأمومة، وعدد من الأفراد المهتمين ذوي الاختصاص. ثم انضمت جمعيات نسائية وأهلية أخرى، ووفقت اللجنة في تحديد أهدافها في إصدار قانون عصري للأحوال الشخصية وإصلاح النظام القضائي وبيئة التقاضي في المحاكم الشرعية كما تمكنت من تحقيق بعض الإنجازات منها إيقاف العمل بتنفيذ حكم الطاعة بقوة الشرطة، وصدور قانون المرافعات أمام المحاكم الشرعية في العام 1987م، وصدور قانون الولاية على المال في العام 1986م ().

واستمرت الجهود المضنية للجنة الأحوال الشخصية في تنفيذ الحملات الإعلامية والبرامج التوعوية حول أهمية إصدار قانون موحد لأحكام الأسرة وضرورته لأفراد الأسرة والمرأة، وسط بيئة رسمية غير مستجيبة لسنوات عديدة، ووسط تحفظ مجتمعي عام واعتراضات من الأوساط والمرجعيات الدينية وبالأخص الجعفرية منها. ومع تأسيس المجلس الأعلى للمرأة في البحرين في العام 2001، وهو جهة استشارية في أوضاع المرأة تتبع الملك مباشرة، أصبح له دور أساسي وضاغط في المدافعة، حيث تبنّى ملف القانون ضمن أعماله وبدأ في وضع وتنفيذ خطط العمل، وقد عزز ذلك، وإن كان في سياقات خاصة بالمجلس، من مسيرة الحركة النسائية التي بدأت المطالبات مبكرا جدا.

وعندما أشهر الإتحاد النسائي البحريني () في سبتمبر 2006، استكمل الاتحاد مسيرة الجمعيات النسائية من أجل إصدار قانون موحد للأحوال الشخصية خاصة بعد أن تحولت لجنة الأحوال الشخصية للعمل تحت مظلته. وقام الاتحاد بدعوة عدد من المشايخ من الطائفتين الكريمتين لإيجاد توافق مجتمعي مقبول من الأطراف المجتمعية كافة ومن الطائفتين، عبر ترتيب اللقاءات والحوارات. وتمكن الاتحاد من تشكيل لجنة من علماء الدين السنة (لجنة المشايخ السنة)، ووضعوا مرئياتهم وملاحظاتهم على مسودة قانون الشق السني على مدار 14 شهراً، ثم رفعت لاحقا إلى الديوان الملكي ومجلس النواب. أما بالنسبة للجانب الشيعي، فقد خاطب الاتحاد النسائي المجلس الإسلامي العلمائي () رسميا لطلب اللقاء والتحاور حول موضوع القانون أكثر من ثلاث مرات ورفض المجلس ذلك، ولكن موقف المجلس العلمائي تغير مع مرور الوقت من رافض للتقنين بشكل نهائي إلى موافق وفق شروط خاصة حول آلية التقنين.

وتطلب إصدار أول قانون للشق السني في عام 2009 بعد فترة انتظار قاربت الثلاثة عقود منذ بدء المطالبات وكثيرا من جولات السجالات الساخنة بين كافة الأطراف المعنية، وبعد مرور قرابة الثمان سنوات على صدوره ، أصدر قانون أحكام الأسرة الموحد في العام 2017 ليلغيه ويحل محله، إلا أن قانون 2017 ورغم أنه يعد خطوة هامة إلا أنه بحاجة إلى تعديلات كثيرة كونه جاء محافظا جدا ومتصادما في بنود كثيرة مع حقوق المرأة ومتغافلا كرامتها واستقلاليتها.

وتاريخيا، مر ملف قانون الأسرة بمحطات كثيرة، تشكلت فيها لجان رسمية متعددة من قبل وزارة العدل والشؤون الإسلامية وتم طرح مسودات متعددة من قبل قضاة الشريعة ورجال الدين من المذهبين وبعض المحاميات النساء في مراحل محدودة، وعرض بعض هذه المسودات عن طريق الصحافة ليتجدد ويزداد السجال المجتمعي بين مدافع ومعارض وكان تصدر علماء الدين الشيعة في المحطات الرئيسة عاملا رئيسا للتجميد أو التأجيل وإعادة المحاولة.

ففي 19 أكتوبر 2002م قبيل موعد أول انتخابات نيابية أطلق خمسة من كبار علماء الدين الشيعة بيانا حذروا فيه من قيام المجالس التشريعية “الوضعية” من تقنين الأحوال الشخصية، ومع أول انتخابات برلمانية في 24 أكتوبر من العام 2002 وتشكيل المجلس النيابي الأول دخل مشروع قانون الأسرة في دوامة التداول التشريعي ومعارضة النواب السلفيين، والمعارضة الجماهيرية الواسعة خارج المجلس، حيث دشن علماء دين بارزون عريضة جماهيرية في مايو 2003 للتعبير الجماهيري رفضا واحتجاجا على أن تسير المسيرات كخطوة تالية ().

وكانت المحطة الهامة التالية في العام 2005م، حيث ترددت أقاويل حول إعادة إحالة الحكومة مشروع قانون للأسرة من فصلين (سني وجعفري) إلى مجلس النواب، ودشن المجلس الأعلى للمرأة لاحقا حملة وطنية لإصدار قانون الأحكام الأسرية تحت شعار “أسرة آمنة = وطنا آمنا”، ومع احتدام الخلافات في نوفمبر 2005، احتشدت مسيرتان متعاكستان، الأولى تألفت من مئات من الناشطات المؤيدات لإصدار قانون أحكام الأسرة تقودها مجموعات نسائية وسياسية ومدنية، والثانية يقودها عدد من علماء الدين الشيعة، بدعوة من المجلس العلمائي، بمشاركة آلاف من النساء والرجال، قدرت أعدادهم بين 90 ألفا و120 ألفا للمطالبة بتوفير ضمانات دستورية. وبعد المسيرة وفي يوم 19 نوفمبر 2005 صدر إعلان سمي “إعلان العلماء بشأن قانون الأحكام الأسرية”، موقع عليه من قبل 23 شخصية من علماء الدين الشيعة، بشأن قرار موحد حول الموقف من قانون الأحوال الشخصية، مكررا مطلب الضمانات الدستورية وحتمية الاسترشاد برأي المرجعية الشيعية العليا في الشق الجعفري من القانون (). كما عقدت ندوات جماهيرية كثيرة ترفض أمر تحويل قانون الأسرة إلى مجلس النواب مع التحذير بعصيان مدني شامل والتوجه إلى الأمم المتحدة في حال إقرار القانون. وكان رأي المعارضين من الجمعيات النسائية ومؤسسات المجتمع المدني وبعض الجمعيات السياسية رافضا أن يضع الدستور أحكاما خاصة بقانون الأسرة بخلاف باقي القوانين حيث سيعد ذلك بدعة دستورية لم تحصل مع أي دستور عربي أو إسلامي، وعلى اعتبار أن الدستور ينص على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وأن ما يمكن قبوله هو استخدام الآلية نفسها التي كتب بها القانون في حال تعديله، أي استشارة رجال الدين. وانتهى الأمر بسحب المشروع الذي كان أن قدم إلى مجلس النواب في بداية العام 2005.

وفي العام 2006، كانت الانتخابات النيابية الثانية وفازت كتلة جمعية الوفاق الوطني الإسلامية (( بـ 17 مقعدا من المقاعد الأربعين، الأمر الذي أتاح فرصة واسعة للتعبير عن رفض قانون الأسرة الجعفري في مجلس النواب، ضمن منظور المجلس العلمائي. 

وعندما أحال مجلس الوزراء مشروع قانون أحكام الأسرة وفق المذھبین السني والجعفري إلى السلطة التشريعية في ديسمبر 2008، أصدر المجلس الإسلامي العلمائي من جهته بیانا حمّل فیه الحكومة التداعيات الناتجة عن ھذه الخطوة التصعيدية وغیر المحسوبة، وأكد رفضه لها ()، مطالبا بـ “ضمانة دستورية ثابتة تمنع من وضع قانون الأسرة ابتداء وتغييره مستقبلا إلا بعد العرض على المرجع الأعلى للشيعة وموافقته ضمانا للشرعية الدينية”، وذلك في إشارة إلى المرجعية الشيعية في النجف الأشرف بالعراق.

وبداخل المجلس ظهرت فكرة إقامة التحالفات بين نواب كتلة الوفاق (شيعة)، وبعض نواب كتلة الأصالة (سلف سنة)، ونواب كتلة المنبر الإسلامي (إخوان مسلمين)، من أجل إسقاط مشروع القانون. ومع تصاعد حدة رفض الكتل السياسية في البرلمان وعلى رأسها كتلتي الوفاق والأصالة لمشروع القانون وفق المذهبين، سحبت الحكومة المشروع في مطلع شهر فبراير 2009 وأوحت بإمكانية إعادة المشروع إلى البرلمان بشقه السني فقط، الأمر الذي حدث في بداية شهر ابريل 2009 حيث أحالت الحكومة مشروع القانون بشقه السني فقط إلى مجلس النواب، حيث جرت مداولات كثيرة إلى أن صدر القانون في تاريخ 27 مايو 2009 بقانون رقم (19) لسنة 2009، وقد نصّت المادة الثانية على أنه (لا يتم تعديل هذا القانون إلا بعد أخذ رأي لجنة من ذوي الاختصاص الشرعي من القضاة والفقهاء على أن يكون نصفهم من القضاة الشرعيين يصدر بتشكيلها أمر ملكي). وتم توثيق إصدار الشق السني من قانون أحكام الأسرة كـ “إنجاز رائد” في التقارير الرسمية المقدمة إلى الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل وذلك في تقريرين رسميين موجزين متتاليين إلى الفريق في العامين 2009 و2010 عبر وزارة الخارجية ووزارة حقوق الانسان والتنمية الاجتماعية آنذاك. 

وفي فبراير 2011 انطلقت بالبحرين الاحتجاجات المطلبية من أجل الاصلاح السياسي، على خطى الحراك الجماهيري في كل تونس ومصر وغيرها، وانتهت باعتقال الآلاف من المتظاهرين مع القيادات السياسية،  وأصبح ملف قانون الأسرة الموحد في ظل هذه الأجواء الأمنية لا يحمل أولوية بالغة إلا بالنسبة للدولة التي كان عليها مواجهة انتقادات وتوصيات المجتمع الدولي المستمرة في اللقاءات الأممية الخاصة بمتابعة تنفيذ الاتفاقيات، وكانت تداعيات الأوضاع بعد أحداث فبراير، والتضييق الواسع على ساحات ورموز المعارضة، عاملا محفزا للدولة من أجل الإسراع في إقرار وإصدار القسم الجعفري من قانون الأسرة.   

وبعد مضي أكثر من 7 سنوات على إقرار الشق الأول من القانون والعمل بموجبه بالمحاكم، وتقييم التغيير الإيجابي الذي تمثل في سرعة البت في القضايا، وتيسير الإجراءات على المتقاضين، ولاسيما في قضايا الحضانة والنفقة والطلاق للضرر، ومساعدة ذلك المرأة والأطفال بالأخص، تعالت الأصوات مجددا بأهمية إصدار الشق الثاني الخاص بالمذهب الجعفري لحلحلة القضايا المتراكمة والعالقة في المحاكم الجعفرية.

وفي 13 ابريل 2017 تقدم 5 من أعضاء مجلس الشورى بمقترح بقانون بإصدار قانون موحد للأسرة البحرينية ()، وفي 6 يوليو أحالت الحكومة إلى السلطة التشريعية مشروع قانون الأسرة الموحد، وسرعان ما تجدد رفض القانون من الشارع الشيعي والذي جاء على لسان السيد الغريفي في 14 يوليو 2017م في ثلاث ملاحظات: ()  أولها أن المادة الثانية بنص المشروع بهدف الحصانة الشرعية، غير كافية لأنها غير ثابتة بل قابلة للتغيير مثل أي مادة دستورية، وثانيها أن مسودة القانون مستعجلة جدا، وفيها اختزال شديد، والمواد مضغوطة إلى حد التفريط، وثالثها وجود مجموعة من الأخطاء الفقهية وفي الصياغة، كما فيها إهمال متعمد لبعض أنواع الزواج المشروعة لدى الفقه الجعفري. ودعا للتروي ضمن ظروف المرحلة التي يمر بها الوطن.

إلا أن مجلس النواب كان طامحا في الإصدار السريع للقانون فجاءت موافقته بسرعة، ثم وافق مجلس الشورى، وفي 19 يوليو 2017، صدر القانون رقم 19 لسنة 2017 في (141) مادة تحت مسمى قانون الأسرة ()، ويبدو أن أحد أسباب سرعة إصدار القانون هو تحيّن الفرصة المناسبة لتنفيذ تعهدات الدولة أمام لجنة السيداو في تقريرها الثالث الذي نوقش في عام 2013 والتي تكررت سابقا في التقرير الموحد للتقريرين الأول والثاني في العام 2008.

ورحب المؤيدون وعلى رأسهم الاتحاد النسائي وعضوات الجمعيات النسائية والجمعيات السياسية، والمحامون والمحاميات وأفراد بمجلسي الشورى والنواب، بخطوة إصدار القانون مع ملاحظات حول عدم إشراك بعض المؤسسات المعنية بحقوق المرأة وعلى رأسها الاتحاد النسائي البحريني، الذي أبدى وجهة نظره  بأن القانون اعترته نواقص وعيوب، ولم يكن بالمستوى الذي كانت تطمح إليه وناضلت طويلا من أجله نساء البحرين المنضويات في إطار الاتحاد النسائي البحريني وسائر مؤسسات المجتمع المدني، ولم يكن بالصورة التي كانت تطالب بها لجنة السيداو في توصياتها، وأن معظم مواده تخالف مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في إبرام عقد الزواج وتحمل مسؤولياته ونتائجه على قدر واحد من المساواة()، وأوضحت جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)، التي نادت بشكل حثيث بإصدار القانون مواقفها المؤيدة عبر البيانات معتبرة إصدار قانون الأسرة الموحد ثمرة لنضالات الحركة النسائية الأهلية () إلا أنه دون الطموح وبه ثغرات جليّة  يجب معالجتها (). في المقابل اعتبر علماء المذهب الشيعي أن صدور القانون يعني تجاهل المواقف العلمائیة والشعبية الرافضة لصدور هذا القانون بغير الشروط التي أُعلن عنها سابقا وأن ذلك يمثل أكبر اضطهاد للطائفة الشيعية في البحرين.

جيوب التمييز والعيوب بالقانون الموحد:

خضع قانون الأسرة الصادر بتاريخ 19 يوليو 2017 برقم (19) لسنة 2017 والذي صار ساري المفعول منذ الأول من أغسطس 2017 بعد نشره في الجريدة الرسمية، لقراءات قانونية عديدة من قبل المحامين والمهتمين لقياس مدى توافق بنوده وتحقيق العدالة والمساواة المنشودة في خدمة أفراد الأسرة وتقليل معاناتهم من النواحي الاجتماعية عند الزواج والطلاق والحقوق والالتزامات المترتبة جراء ذلك.

وبينت تلك القراءات والدراسات وجود نواقص وعيوب كثيرة وتناقضات مع مبدأ المساواة بين المرأة والرجل داخل الأسرة، الأمر الذي أثار استياء الحركة النسائية البحرينية وسائر مؤسسات المجتمع المدني والاتحاد النسائي البحريني المؤطر لتلك الجهود التي استمرت لأكثر من ثلاثة عقود، فالقانون جاء دون المستوى المطلوب مقابل تلك النضالات، ودون توصيات لجنة السيداو. وإليكم أهم تلك المواد والمواضيع التمييزية:

الولاية في الزواج

في الوقت الذي أجرت فيه عدد من البلدان العربية الإصلاحات لإزالة التمييز بين المرأة والرجل وإعطائهما نفس الحقوق عند الزواج بإرادتهما الكاملة كالمغرب وتونس والجزائر ()، يعزز قانون الأسرة البحريني دور الولي ويسمح له بالمشاركة في قرار الزوجة فقط دون الزوج عند عقد الزواج، مما يضع الزوجة في منزلة قانونية واعتبارية أدنى، على الرغم من مساواتها القانونية بزوجها في مجالات أخرى كالمشاركة السياسية وغيرها.

إن المادة (28 البند أ) في الفقه السني في قانون الأسرة البحريني تشترط لصحة عقد الزواج حضور الولي وموافقته، وإذا سقط هذا الشرط في عقد الزواج يكون العقد باطلا غير صحيح وتنتفي آثار الزواج بمعنى تُحرَم المرأة من المهر والنسب، والنفقة والخضوع للعدة. وتحدد المادة (15 البند 1-أ) في الفقه السني أحد عشر وليا بالترتيب على المرأة عند زواجها ومن بينهم ابنها (الأب، الجد لأب، الابن وإن نزل، الأخ الشقيق، الأخ لأب، ابن الأخ الشقيق، ابن الأخ لأب، العم الشقيق، العم لأب، ابن العم الشقيق، ابن العم لأب).  ولم يعالج القانون في الفقه الجعفري الولاية بإسهاب، وإنما نص القانون في المادة (15 البند 2) على أن (الولي في زواج البكر هو أبوها أو جدها لأبيها، ويشترط في نفاذ تزويجها رضاها بذلك، ومع عدم وجود الأب أو الجد لأب، تستقل المرأة بالزواج إذا كانت بالغة راشدة ولا ولاية على ثيب عاقلة من زواج صحيح) ().

وتعرف الولاية في الزواج بأنها سلطة شرعية تخول الولي في أن يتولى عقد زواج المرأة التي تحت ولايته، وأن يتولى العقد نيابة عنها، وهي نوعان، جبرية استبدادية، سواء رضت أم لم ترض، أو اختيارية بالاتفاق وتسمى بولاية الاستحباب، وتتباين الآراء الفقهية في موضوع الولاية تباينا واسعا بين تلك التي تعتبرها ركنا من أركان صحة الزواج، وبين من يحصر الولاية على المرأة البالغة الراشدة ذاتها مثل الرجل البالغ الراشد لا فرق بينهما، كما في سائر الأمور الشخصية والقانونية والمالية.

إن اشتراط وجود الولي في عقد الزواج ينال من رضا المرأة وينقل قرارها إلى الآخرين، فتصبح في موقع قانوني أدنى بدل أن تكون في موقع متساوٍ، وقد تكون الولاية تعسفية وقد لا يكون الولي أكثر عقلا. كما أن بعض القوانين تذكر موضوع الولاية الاختيارية الذي قد توظفه الفتاة بإرادتها إن كانت تحتاج المشورة.

إن مشاركة الولي ـ أيا كان، في العقد، فيه تمييز ضد المرأة، ويتناقض ومضمون المادة (16) الفقرة (1- ب) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز، رغم تحفظ البحرين، وكذلك يتناقض ومضمون المادة (3) في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي توجب ضمان مساواة الذكور والإناث في حق التمتع بجميع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنصوص عليها في العهد.

إنه وتوافقا مع وضع المرأة في مجتمعنا الحالي ينبغي أن ينص القانون في المذهبين على أن ينعقد الزواج برضا المرأة الحر الكامل وأن تكون حرة في اختيار الزوج، وبذلك تحفظ كرامتها وحقوقها.

أهلية الزواج (سن الزواج)

نصت المادة (20) من القانون على أنه (لا تزوج الفتاة التي يقل سنها عن ست عشرة سنة ميلادية إلا بإذن من المحكمة الشرعية بعد التحقق من ملاءمة الزواج)، وهذا يعني أن سن زواج الفتاة طبقا للقانون هو ست عشرة سنة ميلادية، بل أجاز تزويجها إن كانت أقل من هذا السن بإذن من المحكمة.

إن النص السابق يتعارض وقانون الطفل البحريني رقم (37) لسنة 2012، الذي ينص في المادة (4) منه بأن الطفل “كل من لم يتجاوز ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة..” كما ويتعارض واتفاقية حقوق الطفل التي وقعتها المملكة في العام 1991، المادة (1) الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة، كذلك فإن قانون الولاية على المال يعتبر من هم في هذا السن قُصَّر ويعتبر قانون العقوبات هذا السن ضمن الحدث، وبالتالي لا يوجد ما يساند هذا التوجه في منح القاضي مساحة لتزويج الصغيرات دون السن القانوني.

ويسود اتجاه عربي وعالمي بتخفيض سن الزواج، حيث حدد قانون الأسرة  في الجزائر أهلية الزواج، في نص المادة (7) بـ 21 للرجل و للمرأة  18، وفي لبنان تسعى منظمات حقوق النساء اللبنانية، منها “كفى” و”أبعاد” و “التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني“، منذ زمن على حملات لتحديد سن الزواج بـ 18، لما للزواج المبكر من عواقب وخيمة تدوم طول العمر، كالعنف الأسري، الاستغلال الجنسي، وخطر الاغتصاب الزوجي وقلة العمل اللائق، وعدد من المشاكل الصحية الناجمة عن الحمل المبكر، ومن احتمالات منع الفتاة وإعاقة حصولها على عدد كبير من حقوق الإنسان المتعلقة بها كالتعليم .

إنه لكل الأسباب المذكورة واستجابةً لملاحظات لجنة السيداو الموجهة للدولة بعد جميع التقارير الرسمية السابقة بشأن تنفيذ الاتفاقية من حيث الخطوات المتخذة لرفع الحد الأدنى لسن الزواج للفتيات إلى 18 سنة، ينبغي رفع سن الزواج لكل من الفتاة والفتى إلى سن 18سنة لتوفر الإدراك العقلي والرشد القانوني، كما يجب أن يتضمن القانون مواد رادعة لكل من يزوج طفلا أو طفلة.     

سكن الزوجية وسيادة مفهوم الطاعة

تحت عنوان حقوق الزوجين، تنص المادة (40) الفقرة(أ) كحقوق للزوج على الزوجة (العناية به، وطاعته، ومعاشرته بالمعروف) في تكريس واضح لمفهوم تبعية المرأة للرجل وطاعته.

و ترد كذلك نصوص عديدة حول سكن الزوجية وتداعيات رفض الزوجة ذلك السكن، جميعها بعيدة عن الاحترام المتبادل والمساواة أمام القانون، وتغفل أسبابا هامة للزوجة مثل  سوء المعاملة أو التعرض للعنف ، فالمادة (54) البند (أ) تنص على أنه (إذا امتنعت الزوجة عن الانتقال إلى مسكن الزوجية أو تركته من غير عذر شرعي أو منعت الزوج من الدخول إليه من دون عذر شرعي، سقط حقها في النفقة بعد ثبوت ذلك قضاء )، وتنص الفقرة (ج) من نفس المادة (ج- يثبت نشوز الزوجة بامتناعها عن تنفيذ الحكم النهائي بمتابعة الزوج إلى مسكن الزوجية)، كما تنص المادة (59 بند أ) على أنه (تسكن الزوجة مع زوجها في المسكن الذي أعده بيتا للزوجية وتنتقل معه بانتقاله إلى مسكن آخر، إلا إذا اشترطت في العقد خلاف ذلك، أو ثبت من الانتقال حصول ضرر لها).

لقد أصبحت مفاهيم مثل الطاعة والنشوز عمليا خارج هذا الزمن لأنها تمس بكرامة المرأة كانسان، وحلت مصطلحات مثل التكافؤ والتفاهم والتعاون والاحترام المتبادل والمساواة أمام القانون، لا فرضا لسلطات ذكورية مستبدة مدعومة بالقانون.

وليس لائقا تكريس نصوص القانون لمفهوم تبعية المرأة للرجل وإجبارها على الإقامة فيما يختاره من مسكن دون موافقتها أو اختيارها الحر وإلا تعد ناشزا غير مستحقة للنفقة، في سياق يبعث على الذل والمهانة والضرر النفسي.

تحكّم الزوج في عمل الزوجة

تجيز المادة (56) للزوجة الخروج للعمل المشروع ثم تربط ذلك بشروط متعددة منها علم الزوج، أو اشتراط الزوجة ذلك في عقد الزواج صراحة، أو إذن الزوج بعد الزواج، ثم تأتي الفقرة (ب) من نفس المادة لتنص على (يعتبر نشوزاً مسقطاً لنفقة الزوجية خروجها للعمل على نحو مناف لمصلحة الأسرة رغم طلب الزوج عدم الخروج).

إن اشتراطات هذه المادة تضع قيودا على حرية المرأة في ممارسة حقها في العمل بإرادتها الحرة، لتصبح رهينة لإذن الزوج وقراراته، حيث يستطيع منعها متى ما يشاء ولأي سبب يراه، وعمليا لا تكتب الكثير من النساء شرط العمل في عقد الزواج لأنه أصبح حقا بديهيا مصانا بالدستور والقوانين.

كما إن هذه الاشتراطات تهب الزوج حقا تمييزيا تحكميا من طرف واحد، ليوقف حق الزوجة في العمل ويعتبرها ناشزا لأنها خالفت رغبته، وفي هذا تعارض مع مبدأ المواطنة المتساوية أمام القانون التي نصت عليه المادة 18 من الدستور البحريني وكذلك المادة (5 ب) التي تكفل دور الدولة في التوفيق بين عمل المرأة ودورها الأسري، و تخالف أيضا مضامين اتفاقية السيداو والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية العمل الدولية رقم 111 الخاصة بالمساواة وعدم التمييز في العمل وجميعها وقعت عليها مملكة البحرين.                      

طلاق منفرد دون علم وحضور الزوجة وإرجاع منفرد

يسمح القانون الموحد للزوج أن يطلق زوجته بإرادته المنفردة، ولايشترط حضورها حيث تنص المادة (81) البند (أ) (تقع الفرقة بين الزوجين: أ- بإرادة الزوج، وتسمى طلاقا) وكان يتعين اشتراط حضور الزوجة وعلمها، حيث أن إعطاء حق الطلاق للزوج دون الزوجة يهمل إرادة المرأة حين الطلاق ويحجب عنها حق المعرفة ويضرها، ويخلق العديد من المشكلات ولابد من التصحيح بمنع وقوع وتسجيل أي طلاق إلا بوجود الزوجين منعا للتعسف وسوء استخدام هذا الحق المنفرد في إنهاء علاقة مشتركة.

كما يسمح القانون أيضا للزوج الذي أوقع الطلاق منفردا أن يرجع مطلقته بإرادته المنفردة من طلاق رجعي ما دامت في العدة دون اعتبار رأيها، وذلك حسب نص المادة (93) وهو نص واحد في الفقهين السني والجعفري (للزوج أن يرجع مطلقته من طلاق رجعي ما دامت في العدّة، ولا يسقط هذا الحق بالتنازل عنه).

إن هذا يفتح أمام المطلق باب التهرب من آثار الطلاق الذي يتجنبه الزوج في الوقت المناسب له، كما يحدث واقعا، حيث يكون الهدف هو التهرب من الالتزامات دون اعتبار لرأي الزوجة.

التطليق للغياب والفقدان

إذا طلبت زوجة تطليقها للضرر من غياب زوج غائب دون عذر رغم معرفة مكانه، ولو كان له مال يمكن استيفاء النفقة منه، فإن المادة (107)، التي جاءت موحده بين الفقهين، لا تحكم للزوجة بالطلاق إلا بعد إنذار الزوج إما بالإقامة مع زوجته وإما نقلها إليه وإما طلاقها. إن إنذار الزوج بنقل الزوجة الطالبة للطلاق إليه، أمر فيه امتهان لإرادة الزوجة وفرض انتقال جبري إذا تحقق، يضيف إلى ضررها أضراراً أخرى.

أما المادة (108 /1) وفقاً للفقه السني، فهي تحدد فترة انتظار تبلغ أربع سنوات للبحث والتحري، أمام زوجة المفقود أو الغائب الذي لا تعلم حياته ولا موته ولا يعرف موطنه ولا محل إقامته، قبل أن تحكم المحكمة في طلب تطليقها. إن فترة أربع سنوات قبل الحكم بالتطليق هي مدة طويلة للغاية، ويفترض تخفيضها إلى سنة واحدة أو أقل مع توفر الوسائل العصرية والمتطورة لمعرفة مصير الزوج المفقود أو الغائب.

وفي البند (2ب) من نفس المادة 108 وفق الفقه الجعفري (لا تطلق إذا كان للمفقود أو الغائب مال أو ولي ينفق عليها) بمعنى ان زوجة المفقود لا تطلق أبدا إذا ما كان له مال أو ولي ينفق عليها، وفي هذا تقييد مفتوح غير محدود الأجل لحريتها، فتظل معلقة دون مراعاة لاحتياجاتها الأخرى.

3. العنف الأسري في البحرين.. بدايات الوعي والمعالجات

منذ تسعينيات القرن الماضي تصدّرت الجمعيات النسائية في البحرين دوراً فاعلاً في لفت الانتباه لمشكلة العنف ضد المرأة إيمانا منها بأنها ظاهرة اجتماعية خطيرة مرتبطة بانتهاك الحقوق والحريات وتشكل عائقا أمام تحقيق المساواة بين الجنسين، وإدراكا منها بأنه من أجل استئصال العنف يلزم وجود تشريعات حساسة وإجراءات فعالة للحماية من كافة أشكاله، حيث أن للعنف الذي تواجهه المرأة سواء داخل الأسرة أو خارجها جذورا عميقة ترجع لعقدة التفوق الجندري وسيادة الموروثات السلبية.

وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1993 إعلان القضاء على العنف ضد المرأة لحث الدول على الالتزام بواجباتها ومراجعة سياساتها واتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على العنف ضد المرأة. كما اعتمدت 189 دولة في بكين في عام 1995م منهاجا يحدد استراتيجيات رئيسية للحد من العنف ضد المرأة ()، وفي 17 ديسمبر 1999 تم تحديد يوم 25 نوفمبر من كل عام يوما عالميا لمناهضة العنف ضد المرأة. وفي فبراير 2008 أطلق الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون حملة ” اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة ” وتهدف لتشجيع الدول على إصدار قوانين وطنية تتصدى لجميع أشكال العنف ضد المرأة، ولوضع خطط عمل وطنية، وتعزيز جمع البيانات حول انتشار ظاهرة العنف ضد المرأة وزيادة الوعي العام، والتصدي للعنف الجنسي خلال الصراعات.

لقد واجهت الجمعيات النسائية في البحرين المتصدية لملف العنف ضد المرأة، تحديات كثيرة ومنها سيادة الموروث الثقافي السلبي الذي يسهل عملية ممارسة العنف ضد المرأة، وغياب التشريعات التي تجرم العنف وتعاقب عليه، وغياب آليات الرصد وطرق التبليغ عن حالات العنف، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية بمتابعة حالات العنف، بالإضافة إلى الخوف من التبليغ، وطالبت الجمعيات بإصدار قانون لمناهضة العنف ضد المرأة، ومن أجل التوعية حول الموضوع عقدت الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني الكثير من الفعاليات وخاصة في اليوم العالمي لمناهضة العنف 25 نوفمبر من كل عام.

وفي خطوة متقدمة للتصدي لظاهرة العنف وتقديم خدمة الدعم القانوني وخدمة الإرشاد الأسري والنفسي للنساء المعنفات افتتحت جمعية نهضة فتاة البحرين () مكتبا للإرشاد الأسري في عام 1998 وكان نواةً لتأسيس (مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري) الذي أنشىء في عام 2007م ()، كما افتتحت جمعية أوال النسائية () مركز أوال للمساعدة القانونية في 1998.

ومنذ تأسيس الاتحاد النسائي البحريني في 2006، كمؤسسة أهلية معنية بالدفاع عن حقوق المرأة، وضع الاتحاد مناهضة العنف ضد المرأة على رأس أجندته، حيث شكلت لجنة أهلية لمناهضة العنف الأسري تابعة للاتحاد ومن ثم تشكلت لجنة الأحوال الشخصية ومناهضة العنف، كما افتتح الاتحاد مكتبا للدعم القانوني في 2010 غير أنه وبسبب العجز المالي تم إغلاقه في 2015، كما قام الاتحاد النسائي بالعديد من الفعاليات من أجل التوعية المجتمعية بأخطار العنف الأسري ونتائجه ()  وإصدار قانون لمناهضة العنف ضد المرأة، و رفع مسودة بقانون لمناهضة العنف الأسري  في عام 2007 إلى مجلسي النواب والشورى تضمنت مرئياته، كما طالب بالعمل على خلق قاعدة بيانات موحدة لحالات العنف وربطها بجميع الجهات المعنية لتوحيد وتسهيل رصد الحالات والوصول للبيانات.

وفي كافة التقارير الأهلية السابقة المقدمة إلى لجنة متابعة تنفيذ اتفاقية السيداو، نوه الاتحاد النسائي إلى ظاهرة العنف تجاه النساء البحرينيات المتضررات والتدابير الواجب اتخاذها، وسيفعل ذلك مجددا في الفترة القادمة عند تحديد موعد مناقشة التقرير الرابع حول السيداو من قبل لجنة المرأة في الأمم المتحدة.

أما المجلس الأعلى للمرأة فبعد تأسيسه في 2001، قام بوضع استراتيجية وطنية للنهوض بالمرأة وخطة وطنية لتنفيذ الاستراتيجية التي تم تقييمها، كذلك تم إطلاق الخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية (2013 – 2022)، وكان أحد محاورها العمل على تحقيق الاستقرار الأسري حيث تم الاقتراح والتوصية بتعديل التشريعات الوطنية لحل المشكلات التي تواجه المرأة ومنع التمييز ضدها.

وفي إطار المطالبة بإصدار قانون لمناهضة العنف جاءت التوصيات والملاحظات الختامية للجنة السيداو في ختام مناقشة تقارير الدولة حول تفعيل الاتفاقية كلها تصب في مطالبة الدولة بالعمل على إصدار تشريع لمنع العنف والحماية منه، وقد تم تقديم مقترح بقانون لمكافحة العنف الأسري في الفصل التشريعي الثاني في نوفمبر 2005 من قبل كتلة المنبر الإسلامي، واشتمل المقترح على (27) مادة وخمسة أبواب، الباب الأول أحكام عامة، الباب الثاني إنشاء لجنة وطنية لحماية الأسرة من العنف، الباب الثالث تدابير خاصة بالعنف الأسري، الباب الرابع تدابير جزائية متعلقة بالعنف الأسري وتم رفض المقترح من قبل دائرة الشئون القانونية بحجة أن قانون الضمان الاجتماعي يعالج الحالات التي حاول المقترح معالجتها ()

قانون الحماية من العنف الأسري دون الطموح

في أبريل 2015 م صدر قانون الحماية من العنف الأسري، قانون رقم (17) لسنة 2015 ()، بعد جهود وفعاليات ومطالبات قامت بها الحركة النسائية والمجتمع المدني استمرت أكثر من عشر سنوات، ورغم أن الجمعيات النسائية اعتبرت صدور القانون خطوة جيدة إلا أنها رأت أنه لم يأت على مستوى الطموح، فالقانون شمل  كل أفراد الأسرة ولم يقتصر على المرأة رغم أن العنف ضد المرأة يشكل النسبة الأكبر، ومن النقاط التي تؤخذ على القانون، خلو تعريف العنف به من التهديد بالإيذاء وذلك أمر مهم كونه قانون للحماية أي منع العنف قبل وقوعه، كما إنه اقتصر على العنف داخل نطاق الأسرة ولم يشمل العنف المجتمعي  والمؤسسي، ولم يشمل خدم المنازل الذين أشارت إليهم مرئيات الاتحاد النسائي التي تم رفعها إلى مجلس النواب. ولم ينص القانون على إلغاء المادة (353) من قانون العقوبات والتي تسهل الإفلات من العقاب وتمكّن المغتصب من الهروب من جريمته والتي طالما طالب الاتحاد النسائي والجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني بإلغائها. كما لم يشر القانون إلى تجريم ومعاقبة الاغتصاب الزوجي والمعاشرة بالإكراه فهو ليس حق للزوج، وهي جريمة يجب المعاقبة عليها. كما لم يتضمن القانون أية مادة تشير إلى التحرش الجنسي سواء داخل الأسرة أو في المجتمع، ولم يتضمن القانون أيضا مواد حول العقوبات وأشار فقط إلى عقوبات لِمَن يخالف أمر الحماية، أما عقوبة المعتدي فأحالها إلى قانون العقوبات، كذلك لم يشِر القانون إلى أهمية وجود دُور إيواء كافية تستوعب أعداد المعنَّفات ()

                                                                           

مراكز الخدمات لدعم النساء المعرضات للعنف

يتواجد  حاليا بالبحرين عدد من مراكز الإرشاد الأسري ودور الإيواء، فعلى الصعيد الرسمي تم إنشاء    (دار الأمان) في نوفمبر () 2006م، وتتبع الدار وزارة التنمية الاجتماعية، وهي دار لإيواء النساء المتعرضات للعنف وأطفالهن، وتعمل الدار على تقديم المسكن وخدمات الرعاية والتأهيل للمعفنات، كما أنشىء مركز بتلكو للحماية من العنف ()، وتم في وزارة الصحة إنشاء (لجنة حماية المرأة من العنف) وتهدف إلى تقديم الرعاية الصحية للمرأة المعنفة وتشجيع النساء المتعرضات للعنف الوصول للرعاية الصحية مبكرا، ووضع خطة لحماية أنفسهن وأبنائهن، بالإضافة إلى مكاتب الخدمات الاجتماعية بالمراكز الصحية.

أما على الصعيد الأهلي فقد سبقت الإشارة إلى تأسيس مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين في عام 2007، كما تم مؤخرا افتتاح مركز مودة للإرشاد الأسري بتاريخ 18 يناير 2017 ويتبع جمعية الاجتماعيين البحرينية، ويهدف إلى تقديم خدمات استشارية توعوية للأسرة وتقديم استشارات قانونية ().

المؤشرات الإحصائية والحاجة إلى مرصد وطني لإحصاءات العنف

إن الاحصائيات الصادرة من مراكز الإرشاد الأسري التابعة للجمعيات النسائية والاتحاد النسائي البحريني والمنظمات الأهلية بالإضافة إلى المراكز الرسمية ، تعكس استمرار ظاهرة العنف ضد المرأة وبكافة أشكاله، فقد أشار تصريح لوزارة الداخلية إلى أن عدد النساء المعنفات في البحرين للفترة من (2001- 2004) بلغ 1344 حالة ()، كما أشارت مديرة هيئة التشريع والإفتاء القانوني إلى أن عدد حالات العنف خلال عام 2015 بلغ (1655) منها (955) حالة عنف موجهة من الزوج ضد زوجته، وفي الفترة من يناير إلى يونيو 2016 بلغت عدد حالات العنف (859) حالة منها (473) حالة اعتداء من الزوج على زوجته. ()

وخلال العام 2004م، استقبل مكتب الإرشاد الأسري التابع لجمعية نهضة فتاة البحرين ما يقارب (443) حالة، أما بالنسبة لمركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري فقد بلغ عدد الحالات منذ 2007 وحتى 2017م، (1161) منها 47% عنف نفسي() حيث بلغت عدد حالات العنف النفسي (545) حالة، والعنف القانوني (268) حالة، العنف الاقتصادي (158) حالة، الجسدي (153) والجنسي (37) حالة ().

أما الحالات المستجدة التي حضرت إلى مركز عائشة يتيم للمرة الأولى حتى 2017 فقد بلغت (825) حالة () ، وبيّن المجلس الأعلى للمرأة أن الحالات التي امتلكت إثباتا للعنف خلال الفترة من 2010م – 2013م بلغت (160) حالة.

كل تلك الارقام تؤكد وجود العنف ضد المرأة كظاهرة، بالإضافة إلى ان هناك ارقام تخفيها العادات والتقاليد ويكتمها الموروث الثقافي الذي يعكس تأثيره على أمن الاسرة واستقرارها.

وحيث باتت الحاجة ملحة لوجود قاعدة بيانات موحدة ومع تزايد الاهتمام المحلي والدولي، أطلق المجلس الاعلى للمرأة بالتعاون مع وزارة الداخلية قاعدة بيانات واحصائيات العنف الاسري ” تكاتف” في ديسمبر 2017، بهدف رصد حالات العنف من خلال منصة الكترونية لسجل بيانات موحد قادر على تقديم الدعم والخدمات للمعفنات، وتامل مؤسسات المجتمع المدني ان تكون قاعدة البيانات تلك متاحة لكل الجهات المعنية بمناهضة العنف، حيث تشكل مسألة الحصول على البيانات لمؤسسات المجتمع المدني معضلة رئيسية ومستمرة.

4.  حق الجنسية لأبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي

من القوانين التي يشوبها التمييز واتساع الفجوة في المساواة بين الجنسين في الحقوق والواجبات وفق مفهوم المواطنة المتساوية، قانون الجنسية، وجاء تحفظ مملكة البحرين على المادة 9 الفقرة 2 من السيداو ()، متعارضا مع أساس واصل الاتفاقية، فالقانون يحرم الأم البحرينية المتزوجة من غير بحريني نقل جنسيتها لأطفالها.

وتعرف الجنسية على أنها رابطة بين الفرد والدولة، وهي حق من حقوق الانسان الأساسية، وتؤكد المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل فرد في الحصول على الجنسية وعدم جواز حرمانه منها. ويقوم حق الجنسية على نظامين: نظام حق الأرض أي أن تعطى الجنسية لكل من ولد في الدولة بغض النظر عن جنسية والديه، أو نظام حق الدم أي أن تعطى الجنسية لكل من يولد وأحد والديه يحمل جنسية الدولة. وحصر قانون الجنسية البحريني حق الجنسية على رابطة الدم من جهة الأب، أي نقل جنسية الأب البحريني لأبنائه، لكنه منح الملك سلطات مطلقة للتجنيس.

وفي حين كفل دستور مملكة البحرين المساواة بين الرجل والمرأة في المادة (18) والتي تنص على أن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية ويتساوى المواطنون لدى القانون في الحقوق والواجبات لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة، فإن قانون الجنسية البحريني الصادر في عام 1963م حرم المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي من نقل جنسيتها لأبنائها، في حين أعطى الرجل البحريني المتزوج من أجنبية حق نقل جنسيته لزوجته وأبنائه، وهذا شكل من أشكال التمييز بحق المرأة البحرينية.

لقد انطلقت مسيرة المطالبة بحق المرأة المتزوجة من أجنبي في نقل جنسيتها لأبنائها في العام 2002 في حملة إقليمية تحت شعار ” جنسيتي حق لي ولأبنائي”، وانضمت البحرين إلى الحملة الإقليمية لحق المرأة في الجنسية في العام 2004، التي ضمت 9 دول هي مصر، لبنان، البحرين، الأردن، اليمن، الجزائر، المغرب، فلسطين، سورية. وكان انضمام البحرين عبر جمعية البحرين النسائية التي بادرت بإطلاق حملة وطنية بمشاركة الجمعيات النسائية تركزت على حصر عدد الحالات المتضررة. وتواصلت الجهود عبر الاتحاد النسائي بعد تأسيسه في 2006 بالإضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات نسائية وحقوقية ومحامين ومكاتب نسائية في الجمعيات السياسية.

وكان للمجلس الأعلى للمرأة دور في تقديم المساعدة للنساء وتسهيل بعض الإجراءات عبر مركز دعم المرأة في متابعة طلبات منح الجنسية لأبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي بالتعاون مع الديوان الملكي حيث تم منح (3525) من أبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي الجنسية في الفترة منذ عام 2006 حتى عام 2014 وبلغ عدد الأمهات اللاتي استفاد أبناؤهن من هذه المنحة (1550) أماًّ بحرينية. جاء ذلك كمكرمة ملكية وليس على مبدأ المواطنة المتساوية كما جاء في المواثيق الدولية، تم أيضاً إصدار قانون رقم 35 لسنة 2009م بشأن معاملة أبناء المرأة البحرينية المتزوجة من أجنبي معاملة البحرينيين في تقديم خدمات التعليم والصحة.

وبالنسبة للاتحاد النسائي البحريني فقد نظم عدة أنشطة وحملات تتعلق بموضوع المطالبة بمنح المرأة البحرينية هذا الحق ومساواتها في ذلك بالرجل، ومنها الحملة الوطنية حول حق منح الجنسية لأبناء المرأة البحرينية تحت شعار (الجنسية حق لي ولأبنائي) كما تم تنظيم مؤتمر إقليمي حول الموضوع تحت شعار (المواطنة الكاملة للمرأة) في يناير 2007م.

ورفض الاتحاد مقترحا من المجلس الأعلى للمرأة بتعديل قانون الجنسية بمنح أبناء البحرينية المتزوجة من أجنبي الجنسية وفقا للمادة 6 من قانون الجنسية أي بالتجنس لا بالولادة حسب المادة 4 من القانون وذلك على أساس أن أبناء البحرينية هم أبناء الوطن (). وبتاريخ 15 أبريل 2017 ()،عقد الاتحاد النسائي مؤتمرا صحفيا من أجل إعلان رؤيته الاستراتيجية حول حصول أبناء الأم البحرينية المتزوجة من أجنبي على جنسية والدتهم. واستكمالا لمضامين الاستراتيجية وبهدف رصد أعداد النساء المتضررات من عدم تعديل القانون، قام الاتحاد النسائي بإطلاق حملة رصد لأعداد النساء المتضررات وذلك في يناير 2018، كما تم تنظيم دورة إعداد مدافعين ومناصرين عن حق المرأة في منح جنسيتها لأبنائها 6-8 سبتمبر 2018، وحلقة حوارية حول (التمييز بين الجنسين في قوانين الجنسية الخليجية والعربية وجهود المجتمع المدني) في 7 سبتمبر 2018.

ينص قانون الجنسية البحريني الصادر في 1963 في المادة 4 الفقرة (1) على ” يعتبر الشخص بحرينياً إذا وُلد في البحرين أو خارجها وكان (أبوه بحرينيا) عند تلك الولادة “،  وبذلك فإن القانون يشوبه تمييز صارخ ضد المرأة بحرمانها من هذا الحق. وقد أدخلت بعض التعديلات على القانون من خلال  المرسوم رقم 10 لسنة 1981والمرسوم رقم 12 لسنة 1989 ومن خلال المرسومين لم تنل المادة المتعلقة باكتساب الجنسية أي تعديل لصالح أبناء المرأة البحرينية  المتزوجة من أجنبي ، بل إن التعديل لسنة 1989 زاد الأمر سوءا حيث ألغى حصول من يولد لأم بحرينية على الجنسية إذا كان أبوه لا جنسية له، الأمر الذي كان يسمح به القانون قبل التعديل، وقد طالب الاتحاد النسائي ضمن استراتيجيته بتعديل المادة 4 الفقرة  (أ) من القانون  لتكون ” يعتبر الشخص بحرينياً إذا ولد في البحرين أو خارجها وكان أبوه أو أمه بحرينيا عند تلك الولادة ” كما دعا لإضافة فقرة حول وضع الأبناء الذين ولدوا قبل التعديل المطلوب.

لقد صادقت جميع الدول العربية على اتفاقية السيداو مع التحفظ على المواد 2 ، 9 الفقرة 2، 15 الفقرة 4، المادة 16 والمادة 29 وجاء التحفظ على تلك المواد بدعوى أن أغلبها تتعارض مع الشريعة الإسلامية، في حين أن هناك عدداً من الدول الإسلامية لم تتحفظ على أية مادة فيما عدا المادة 29 ومنها تركيا وباكستان، كما أن هناك دولاً عربيةً سحبت تحفظها مثل تونس في عام 2006، أما في مصر فإن التعديل الذي أجري على القانون في عام 2004 قضى على هذا التمييز في حق الأم المصرية ومنح أطفالها الجنسية دون قيد أو شرط، أسوة بالأبناء المولودين لأب مصري وأم أجنبية. وسحب المغرب تحفظاته عن مواد السيداو في 10 ديسمبر 2008، ورفع الجزائر تحفظه عن المادة 9 الفقرة 2 في 2006.  إذن هناك دول إسلامية عديدة تم تعديل القانون فيها بما يتيح للأم حق منح جنسيتها لأبنائها فتعديل القانون لا علاقة له بالشريعة الإسلامية ولا يتقاطع معها، الأمر الذي يجعل تعديل القانون منوطا بإرادة الدولة.

إن التصديق على الاتفاقية يجب ألا يخل بمادة أساسية في أصل الاتفاقية وهو المساواة وعدم التمييز بين الجنسين، وفي حالة عدم موافاة الدولة بحقوق المرأة فإنها تصنف على أنها دولة تنتهك حقوق المرأة وترعي التمييز ضدها.

إن القضاء على التمييز يتطلب من الدولة اتخاذ إجراءات وتقديم إيضاحات في تقاريرها الدورية التي ترفعها للجنة المرأة المكونة من 23 خبيرا و خبيرة، وقد تقدمت البحرين بتقاريرها حول التزاماتها بتنفيذ الاتفاقية، حيث قدمت التقرير الأول والثاني وتمت مناقشتهما كتقرير موحد  في أكتوبر 2008، والتقرير الثالث في 2014 ، وسوف تتم مناقشة التقرير الرابع للدولة في موعد تحدده اللجنة الأممية، وخلال مناقشة اللجنة للتقارير الثلاثة وضمن توصياتها الختامية طالبت اللجنة الدولة بالإسراع في إدخال تعديلاتها على قانون الجنسية عملا بالمادة 9 من الاتفاقية وسحب التحفظ عنها. وجاء في رد الدولة أن هناك مقترحا لتعديل القانون وأن رفع التحفظ غير ممكن إلا بعد التعديل. وكان قد تم تقديم مقترح لتعديل القانون في عام 2007 إلا أنه تم رفضه وسحبه من قبل مجلس الوزراء، أما المقترح المقدم في 2014 فإنه لايزال في الأدراج ولم يرَ النور ولم تتم مناقشته. وطالبت اللجنة الدولة بمعالجة وضع عديمي الجنسية والتوقيع على اتفاقية عام 1954م المتعلقة بوضع الأشخاص عديمي الجنسية واتفاقية عام 1961 بشأن خفض حالات انعدام الجنسية. وكان قانون الجنسية الصادر في 1963 يمنح الجنسية للأبناء إذا كان آباؤهم عديمي الجنسية، غير أن التعديل على القانون عبر المرسوم رقم 12 لسنة 1989 ألغى المادة المتعلقة بجنسية أبناء عديمي الجنسية، كما أن الحكم بإسقاط جنسية أعداد من المحكومين بتهم سياسية خلق فئة من الأبناء عديمي الجنسية وخاصة من ولد بعد حكم إسقاط جنسية والده حيث حُرم من كل أوراقه الثبوتية.

إن المعاناة والتداعيات من حرمان الأم البحرينية منح جنسيتها لأبنائها كبيرة وصعبة ولها آثار نفسية من حالات اكتئاب وغيره لدى الأبناء لعدم ضمان المستقبل، ويزيد الأمر صعوبة عند وفاة الأب (الأجنبي) أو في حالة الطلاق أو الهجران واضطرار الأم للإقامة الدائمة في الدولة، حيث يعاني الأبناء من صعوبة التعليم الجامعي والتوظيف وصعوبة السفر لعدم امتلاك الأوراق الثبوتية والحرمان من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما يخلف ذلك من شعور بالإحباط.

إن تسهيل تقديم الخدمات أمر جيد غير أنه لا يحل المشكلة، كما أن منح عدد من أبناء البحرينيات المتزوجات من غير بحريني الجنسية هو حل جزئي لحالات فردية تم اختيارها دون معايير محددة وشفافة وليس على أساس مبدأ حق المواطنة المتساوية، فالحق يجب أن يعمّم ليشمل الجميع.

إن منح عدد من الأبناء حق الجنسية، وتجنيس عشرات الألوف من غير البحرينيين منذ الألفية الثالثة، ﺃمر يؤكد أن تعديل القانون ممكن وليس هناك ما يمنع ذلك، وأن رفع التحفظ عن المادة 9 الفقرة 2 من السيداو لا يمنعه سواء تعديل القانون ولنا مثال في العديد من الدول العربية والاسلامية.