IMG_8413

ورقة تعقيبية مقدّمة من الأستاذة لورا صفير

«أوضاع المرأة البحرينية على مسطرة الفجوة الجندرية»

 

يتحدّث العالم عن العدالة والمساواة الجندرية لما لهما من نتائج من شأنها تحويل وضع الأفراد والمجتمعات إلى الأفضل وتغيير الوضع المزري الذي يعيشه العالم من فقر وعوز إلى رخاء وتنمية. وتشير التقارير العالمية إلى أن تعزيز المساواة بين الرجل والمرأة سوف يضيف ١۲ تريليون دولار أميركي إلى النمو العالمي ولذا فالمساواة بين الجنسين ليست فقط موضوعاً حقوقياً وإنما أيضاً له أثر اقتصادي يسهم في حلّ أزمات المنطقة.

وإذا أخذنا في الاعتبار أن مشاركة المرأة العربية في سوق العمل هي الأقل في العالم حيث تصل إلى ۲٣% فسوف تدرك ضرورة وضع حلول عملية مستديمة تعالج المشاكل الجندرية للمشكلة وهي لا تتجاوز ٣٥% في أحسن حالاتها في سوق الوظائف والأعمال.

عالجت الورقة البحرينية المقدّمة من الأستاذتين فريدة غلام إسماعيل وعائشة بوجيري أوضاع المرأة البحرينية في أربعة مجالات مرتبطة بالفجوة الجندرية بين الجنسين: المشاركة الإقتصادية وفرص العمل، التحصيل العلمي، الصحة والبقاء والتمكين السياسي، وبيّنت كيفية إحتلال الدول العربية آخر الترتيب العالمي بفجوة تقدّر بــ ٤۰%. بينما احتلّت تونس المرتبة ١١۷ احتلّت البحرين المرتبة ١۲٦ ولبنان المرتبة ١٣۷ واليمن في مؤخرة الترتيب أي ١٤٤. وهذا يدعونا إلى التساؤل حول المعوقات رغم توقيع البحرين على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وعلى اتفاقيات أخرى لحقوق الإنسان. ويبدو جليّاً نضال الحركة النسوية البحرينية المستمرّة منذ الخمسينات لفرض الالتزامات على الدولة لتنقيح تشريعاتها وقوانينها الوطنية وإصدار تشريعات تتواءم ومضامين تلك الاتفاقيات.

ففي مجال العمل:

صادقت البحرين على اتفاقية منظّمة العمل الدولية واتفاقية CEDAW وضمن الدستور الحق في المساواة بالأجر وفي الضمان. ولكن على أرض الواقع نجد فجوة في الأجور بين الجنسين مقارنة بلبنان فإن فجوة الأجور بين الجنسين موجودة على مستوى المؤسسات الخاصة ويوجد مساواة كاملة على مستوى القطاع العام من حيث الأجور والتقديمات الصحية بحيث أصبحت إجازة الأمومة ١۰ أسابيع أعطيت مؤخّراً إجازة أبوّة لمدة أسبوع مدفوعة الأجر. ولكن ما زالت الأمهات اللبنانيات كما البحرينيات يعانين من نقص في تقديم خدمات رعاية الأطفال وكل ذلك يعود إلى عدم مراعاة السياسات الرسمية للأمومة والممارسات غير الرسمية التي تقدّر قيمة عمل الذكور وتنتقص من قيمة عمل الإناث.

ففي لبنان مثلاً يعادل تعويض الأمومة ثلث متوسط الكسب اليومي، ويفرض عليها شرط الانتساب إلى الضمان قبل عشرة  أشهر على الأقل قبل الموعد المفترض للولادة.

على الصعيد التشريعي المرأة لها الحق في العمل وفرص التوظيف وتساوي الأجور والأمن الوظيفي وديمومة العمل والوقاية الصحية وسلامة العمل كما لها الحق في القروض المصرفية والرهون العقارية وإبرام العقود وإدارة ممتلكاتها دون إجازة من زوجها وباسمها الشخصي بعد تعديل قانون التجارة على أرض الواقع.

من الملفت مساواة أعداد النساء البحرينيات العاملات في القطاع المدني الحكومي مع أعداد الرجال (مع منتصف ۲۰١٨) أما في القطاع الخاص فالنسبة منخفضة وتشكّل ٣٤% من قوة العمل البحرينية.

في لبنان نجد المرأة في الإدارات العامة والخاصة وفي الجمعيات الثقافية والاجتماعية والمطلبية الحقوقية وقد أثبتت قدرتها على التأقلم مع الواقع المهني والتكنولوجي، فيتوازى عدد النساء العاملات في القطاع المصرفي بين النساء والرجال ويزداد عددهنّ سنوياً ليصبح ٥۲% من مجموع العاملين في القطاع.

أما قطاع التجارة فيضم ٥,۲١%

الصناعة ٥,۷%

الزراعة ۷,٥%

وقطاع الوساطة المالية والتأمين ۲,٣%

مقابل ٤,١% للنقل وأنشطة البريد والاتصالات السلكية.

أما قطاع الأعمال بشكل عام في لبنان فيضم نحو ٣۰% من النساء (د. ماغدة شلالا) والموظفون الدائمون في القطاع العام نحو ٣٥% إناث و٣۷% من الموظفين المؤقتين إناث. أما بالنسبة للبطالة فهي تنخفض بالنسبة للمرأة مع العمر، بحيث تتوقف عن البحث عن العمل مع التقدّم بالعمر لتصبح بمثابة غير ناشطة إقتصادياً.

وهناك فجوة في التقدّم أو الترقّي:

بلغت في البحرين لغاية ٤۹% للنساء متوسّطي الأجر اللذين تترواح أعمارهن بين ٤۰ و٤۹ سنة و٦۰% ما فوق سنّ الـ. ٥۰ سنة.

المشاركة السياسية ومواقع اتخاذ القرار:

حضور طاغ للرجل ومحدود للمرأة في البحرين كما أغلب الدول العربية بحيث وصلت مرتبة البحرين إلى ١۷۰ مقابل لبنان والكويت ١٨٣ واليمن في المركز الأخير ١۹٣.

بينما نلاحظ بأن أعلى نسب البرلمانيات هي في دول تطبّق الكوتا مثل الجزائر وتونس بنسبة ٣۲%.

أما في لبنان:

عبّرت الحكومات المتعاقبة في بياناتها الوزارية عن التزام لبنان بالإتفاقيات الدولية، كما عبّرت عن إرادتها أن تكون هذه الإتفاقيات جزءاً من السياسات، إلا أن هذا الخطاب الرسمي لم يحتوِ على خطط تنفيذ وسياسات وبرامج، وبقيت التحفظات على اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).

من جهة أخرى تنصّ المادة ۱۲ من الدستور اللبناني على أنه لكل لبناني الحق في تولّي الوظائف العامة، لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق، فلبنان جمهورية ديمقراطية تعتمد النظام الاقتصادي الحرّ ويُتيح نظامها البرلماني الذي ينصّ عليه الدستور وتحميه القوانين مشاركة واسعة للسكان في الحياة السياسية، ولا يفرّق الدستور ولا القانون المدني بين المرأة والرجل في الحقوق السياسية والمواطنية.

أما على الصعيد التطبيقي فمشاركة المرأة سياسياً وفي مواقع القرار تبقى دونية وهامشية، وهي إحدى الإشكاليات التي تقف حائلاً دون تمكين المرأة وتقدّمها واعتبارها شريكاً تاماً في إدارة الدولة والمجتمع.

على مستوى الندوة البرلمانية، انخفضت نسبة مشاركة المرأة فيها من ٦٤% سنة ۲۰۰٥ إلى ٣,1٣% سنة ۲۰۰٩ حيث ترشّحت ۱۲ إمرأة فقط للإنتخابات في حزيران ۲۰۰٩ مقابل ٥٨٧ من الرجال وقد فازت ٤ منهن فقط. وتظهر هذه الأرقام بوضوح انخفاض نسبة مشاركة النساء من دورة انتخابية إلى  أخرى ممّا صنّف لبنان في المرتبة ۱٤٣ من بين ۱٤٤ دولة في العالم من حيث مشاركة النساء في البرلمان، أي في المرحلة ما قبل الأخيرة.

في السلطة التنفيذية، بقي وجود المرأة في الحكومات المتعاقبة رمزياً عبر حقيبة واحدة من أصل ٣۰ وزيراً عام ۲۰۰٥، ثم عادت وارتفعت بتوزير سيدتين سنة ۲۰۰٩، ثم عاد وانخفض في الحكومة اللاحقة بحيث تم إقصاء النساء بشكل كامل، أما في الحكومة الحالية فقد تمّ توزير سيدة واحدة فقط، في الوقت الذي تتمتّع به العديد من السيدات بالقدرات والكفاءات العلمية والثقافية العالية.

على مستوى الانتخابات البلدية، شهدت هذه الانتخابات في أيار عام ۲۰۱۰، زيادة ملحوظة في عدد النساء المرشحات والفائزات مقارنة مع دورة  عام ۲۰۰٤، فقد بلغ عدد المرشحات ۱٣٤٦ عام ۲۰۱۰ مقابل ٥٥۲ مرشحة في عام ۲۰۰٤ كما ارتفع مجموع عدد الفائزات إلى ٥۲٦ امرأة عام ۲۰۱۰ مقابل ۲۱٥ فائزة في عام ۲۰۰٤ أي بنسبة ٤,7% من إجمالي المقاعد مقابل ۲02% لعام ۲۰۰٤ وقد ارتفعت هذه النسبة في الانتخابات الأخيرة خلال العام ۲۰۱٦ إلى ۱٥% حيث تمّ انتخاب ٦۰۰ امرأة في المجالس البلدية والاختيارية (مصدر الهيئة الوطنية لشؤون المرأة).

إلا أن هذه النسبة ما زالت دون المستوى المطلوب والمتوقع للمشاركة النسائية، لا سيما في بلد مثل لبنان وهو الذي يعدّ من البلدان الأكثر انفتاحاً في العالم العربي ويتميّز بنسبة عالية من النساء المتعلمات والمثقفات والحاضرات في نطاق العمل والناشطات في المجال الاجتماعي وفي النطاق العام.

وترتبط ضآلة هذه النسبة بعدة عقبات منها المجتمع الذكوري والذهنية الثقافية المرتبطة به التي تكرّس ثقافة التمييز ضد المرأة وتترجمها بالعادات والممارسات الاجتماعية في استبعاد النساء عن مواقع القرار، هذا إلى جانب ممانعة بعض السياسيين من مشاركة النساء وعدم إعطاء دور لهنّ في ظل نظام سياسي قائم على المحاصصة الطائفية والعائلية والمناطقية، ويترجم ذلك في بعض المراكز حيث لم يتمّ تعيين أي امرأة لمنصب محافظ وسيدتان فقط تشغلان حالياً موقع قائمقام. ويظهر موقف المجتمع المناهض للعمل السياسي للمرأة والمناهض للمرأة بشكل عام من خلال النسب التالية: ٥۱% التمييز قائم في عقلية المجتمع وفي الحياة الاجتماعية ۲٨% التمييز على الصعيد السياسي وعدم احتلال مراكز قيادية (دراسة للمجلس النسائي اللبناني)، إلى جانب عقبات أخرى تمنع النساء من المشاركة كالفقر (النساء الأكثر فقراً)، بالإضافة إلى الترشّح على أساس الحصص الطائفية والقانون الانتخابي نفسه الذي يلزم المرأة رسمياً بالانتقال إلى مركز الزوج الانتخابي (الانتخابات المحلية) وقد يكون لغياب المرأة من القرار السياسي صلة وثيقة بغيابها عن تبوؤ مراكز قيادية في الأحزاب السياسية، كما أن الأحزاب نفسها لم تتقدّم بأي برامج أو مطالب خاصة بالمرأة رغم توجه البعض منها حالياً إلى تبنّي بعض قضايا المرأة، وتبقى مشاركة المرأة في القيادات الحزبية ضئيلة رغم زيادة انخراطهنّ في الأحزاب.

من ناحية أخرى نلمس ارتفاع عدد القاضيات، على واقع تقدّم النساء اللبنانيات وتطوّرهنّ إلا أننا ما زلنا نتطلّع إلى المزيد من توزّع القاضيات على مراكز حسّاسة ومناصب عالية.

أعوام عديدة مرّت والحكومة التي وافقت على إعلان بكين لم تقم بالدور المطلوب من أجل دفع المرأة إلى مواقع القرار، وقد اقتُرح نظام الكوتا أو تخصيص حصص للنساء (٣٣%) خلال المؤتمر العالمي الرابع في بكين عام ۱٩٩٥، كآلية يمكن استخدامها كحلّ مرحلي لمشكلة ضعف مشاركة النساء في الحياة السياسية وعزوفهنّ عن المشاركة في مراكز صنع القرار وللحدّ من إقصائهنّ وعدم تمثيلهنّ أو ضعف هذا التمثيل.

إن نظام الكوتا من منظور النوع الاجتماعي يرفع نسبة التمثيل النسائي في البرلمانات عالمياً وهو تمييز إيجابي يهدف إلى تصحيح الخلل وإعادة التوازن المفقود في المجتمع وتعتبر الكوتا غير تمييزية وإنما مجرّد إجراء تعويضي لمعالجة الخلل يوصل إلى خطوة نوعية لسدّ ثغرة اللامساواة. وقد عملت بهذا النظام ۱۲٨ دولة، كما لجأت بعض الدول العربية إلى اعتماد الكوتا في برلماناتها منذ أعوام مثل مصر، العراق، الأردن، السودان، المغرب، فلسطين وتونس. إلا أن الأمر في لبنان ما زال متعثّراً، علماً بأن بعض المسؤولين السياسيين أعلن تأييده التام لإقرار نظام الكوتا النيابي، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الحالية السيد سعد الحريري قائلاً إن الكوتا شرط من شروط القانون الجديد للانتخابات مع تأكيده على نسبة ٣۰%، لافتاً إلى أنه لن يقبل بأقل من هذه النسبة.

ونحن نؤكّد بأنه عندما تنجح حصص الكوتا المفروضة في القانون في انتخاب الرعيل الأول من النساء، فإن المزيد من النسوة سيحذين حذوهنّ ويقتدين بهنّ، وبالتالي فإنهنّ سوف يعملن على إزالة بعض الحواجز الهيكلية والتنظيمية عبر إصدار تشريعات من شأنها إزالة الحواجز والعوائق من أمام زيادة أعداد النساء في الترشّح للانتخابات، كما أنها تعطي الفرصة للناخبين لحرية الاختيار والتصويت لصالح النساء والرجال معاً لتحقيق التمثيل المتكافئ.

لذا ما هو مطلوب من الإدارة السياسية في البلاد في هذا المجال هو:

تطبيق المعاملة التفضيلية أو نظام الحصص للمرأة «الكوتا» بنسبة ٣۰% كحد أدنى في القانون الانتخابي وفي كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعامة لضمان مشاركة المرأة في صياغة السياسات الحكومية وتنفيذها في شغل الوظائف العامة المتّصلة بصنع القرار ولتحسين مشاركتها على قدم المساواة مع الرجل في تمثيل الحكومة على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظمات الدولية وفي جميع القرارات المتصلة بإدارة المجتمع والدولة وخاصة قرارات الحرب والسلم.

قانون موحّد للأحوال الشخصية:

يبدو أن صدور قانون موحّد للأحوال الشخصية في آب تحت مسمّى قانون الأسرة لم يرتق إلى المستوى المطلوب من المطالبات النسوية بتحقيق العدالة والمساواة في البحرين وإنما كان تمييزياً بإمتياز ولم يُلبِّ توصيات لجنة سيداو بحيث كرّس دور الولي وحدّد سنّ الزواج للقاصرات بسنّ ١٦ سنة بل أجاز تزويجها بأقل من هذا السنّ بإذن من المحكمة وساد مفهوم الطاعة وأجبرها على السكن في مسكن الزوجية وإلا اعتبرت ناشزاً، كما كرّس تحكّم الزوج بقرارت الزوجة بالنسبة للعمل وكرّس الطلاق من جانب الزوج دون علم وحضور الزوجة وإرجاعها منفرداً، كما اعتبر بأنه لا يجوز تطليق زوجة المفقود أبداً إذا ما كان له مال أو ولي ينفق عليها.

وأعتبر هذا القانون مقيّداً لحقوق المرأة البحرينية ولحريتها ومخالفاً للاتفاقيات الدولية.

بالمقابل يعاني لبنان من ١٥ قانوناً للأحوال الشخصية مرتبطة بالطوائف الثماني عشر، ولا تزال التحفظات التي أبداها لبنان على المادة ١٦ من اتفاقيةسيداوسارية المفعول.

وتطالب الحركة النسوية بضرورة وضع قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية يخضع له كل اللبنانيين.

إلا أن بعض الطوائف عدّلت في قانون الأحوال الشخصية لديها مثل الإنجيليين والروم الأرثوذكس ومؤخراً الطائفة السنيّة بحيث تفاوت سنّ الحضانة ما بين ١۲ سنة و١٥ سنة حسب الطائفة. ويوجد حملة قوية حالياً في لبنان لتحديد سن الزواج بـ. ١٨ سنة ولكنها تلاقي مواجهة من قبل رجال الدين.

العنف الأسري:

في البحرين واجهت الجمعيات النسائية تحدّيات كثيرة ومنها سيادة الموروث الثقافي السلبي الذي يسهّل عملية ممارسة العنف ضد المرأة وغياب التشريعات التي تجرم العنف وتعاقب عليه، وغياب آليات الرصد وطرق التبليغ عن حالات العنف وضعف التنسيق بين الجهات المعنية بمتابعة حالات العنف بالإضافة إلى الخوف من التبليغ مما حفز الجمعيات على المطالبة بقانون للعنف الأسري ورفعت مسودّة قانون سنة ۲۰۰۷ إلى مجلس النواب والشورى. صدر القانون في نيسان ۲۰١٥ بعد جهود استمرّت أكثر من ١۰ سنوات ولكنه لم يأتِ على مستوى الطموح.

وكذلك الأمر في لبنان حيث وضعت مسودّة قانون لمناهضة العنف الأسري سنة ۲۰۰٨ وأقرّ قانون «حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري» سنة ۲۰١٤ ولكنه لم يرتق إلى المستوى المطلوب من الحماية والوقاية والعقاب. يفتقر لبنان إلى إحصائيات رسمية للدلالة حول حجم ظاهرة العنف ضد المرأة القائم على النوع الاجتماعي، إنما تقدّر الأمم المتحدة أن ثلث النساء في لبنان هنّ ناجيات من العنف الأسري. ولا بدّ من القول بأن التمييز النوعي بين الذكور والإناث في لبنان والمولد لأشكال متعدّدة من العنف الواقع على المرأة القائم على النوع الإجتماعي، تحرّكه أرضية خصبة تتمثّل أساساً في الذهنية الثقافية السائدة من جهة وفي واقع الإطار التشريعي من جهة أخرى.

في الذهنية الثقافية:

إن العنف ضد المرأة في لبنان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالذهنية البطريركية الذكورية التي تكرّس ثقافة التمييز والعنف ضد المرأة، مما يؤدّي إلى ممارسة سلوكيات عنفية تصل أحياناً إلى حدّ القتل، ضد الفتيات والنساء داخل الأسرة باعتبار أن هذا الشكل من العنف الأسري هو شأن خاص ولا يجوز المسّ به وخرق حرمة المنزل.

في الإطار التشريعي:

لا يتضمن الدستور اللبناني الصادر عام ۱٩۲٦ وتعديلاته، أي نصّ تمييزي بحق المرأة، بل ينصّ بوضوح في المادة السابعة على أن «كل اللبنانيين سواء لدى القانون، وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم»

ويكرّس الدستور مبدأ المساواة لجميع المواطنين أمام القانون غير أنه لا يوجد مادة تشير بوضوح إلى التمييز القائم على الجنس، وتتمتع المرأة بحقوق متساوية في الميادين الاجتماعية والاقتصادية.

لكن من المتعارف عليه أن هناك فجوة قائمة على النوع الاجتماعي في لبنان، مستمدة من قانون الجنسية ومن قوانين الأحوال الشخصية المرتبطة بالطوائف الثماني عشر المعترف بها في القانون اللبناني. هذا إلى جانب التمييز القائم على النوع الاجتماعي في بعض مواد قانون العقوبات اللبناني، فالمفاهيم بحدّ ذاتها والعقوبات تعزّز التمييز وعدم المساواة بين الجنسين.

انضم لبنان إلى ست من اتفاقيات الأمم المتحدة الرئيسية السبع المعنية بحقوق الإنسان، وهي: العهدان الدوليان الخاصان بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (۱٩٧۲)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (۱٩٧۱)، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (۱٩٩٧) مع التحفظ على الأحكام ٩ ­ ۱٦ و۲٩، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (۲۰۰۰)، وإتفاقية حقوق الطفل (۱٩٩۱) كما وانضم إلى البروتوكولين الاختياريين لاتفاقية حقوق الطفل، بشأن إشتراك الأطفال في النزاعات المسلّحة وبيع الأطفال واستغلال الأطفال في البغاء وفي المواد الإباحية (۲۰۰۱).

في ظل هذا الإطار الاجتماعي والقانوني لوحظ تقدّم ملموس في السنوات المنصرمة في لبنان بفضل جهود المجتمع المدني، وعدد من القيادات السياسية والائتلافات بدعم من المنظمات الدولية في إطار التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف، وتم التطرق إلى العنف القائم على النوع الإجتماعي بشكل جدّي، وتم تقديم مشروع القانون المتعلق « بحماية المرأة من العنف الأسري » الذي وافق عليه مجلس الوزراء بتاريخ ٦ نيسان ۲۰۱۰ وأحيل إلى مجلس النواب للمصادقة عليه ومن ثم إلى اللجان النيابية المشتركة لدراسته.

ويهدف مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري بحسب ما جاء في أسبابه الموجبة إلى ما يلي:

  1. تجريم العنف الأسري بكافة أشكاله.
  2. إنشاء قسم خاص بالعنف الأسري عن طريق الأخبار.
  3. إمكانية إصدار أمر حماية مُعفى من الرسوم.
  4. إبعاد المدّعي عليه عن المنزل إذا كان وجوده من شأنه أن يشكّل خطراً على حياة الضحية وأطفالها.
  5. استحداث صندوق مالي حكومي أو مشترك لمساعدة ضحايا العنف الأسري.

أما الجرائم التي يعاقب عليها مشروع القانون، فهي: التحريض على التسوّل، التحريض على الفجور أو الفساد أو تسهيلهما أو المساعدة على إتيانهما، الإعتماد في كسب المعيشة أو بعضها على دعارة إحدى الإناث في الأسرة، إكراه الزوجة بالعنف والتهديد على الجماع، إكراه الزوجة على الجماع وهي لا تستطيع المقاومة بسبب ضعف جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوها من ضروب الخداع، قتل إحدى الإناث في الأسرة عمداً والإقدام على التمثيل بجثتها بعد القتل أو الإقدام قبل قتلها على أعمال التعذيب أو الشراسة عليها، الإقدام قصداً على إيذاء إحدى الإناث في الأسرة، ممارسة العنف المعنوي باستخدام أي وسيلة من وسائل التهديد على إحدى الإناث في الأسرة بقصد السيطرة عليها أو حجز حريتها أو إكراهها على الزواج.

التحدّيات على صعيد إقرار وتنفيذ القانون:

من التحدّيات التي واجهت إقرار وتنفيذ القانون هي المفاهيم الذكورية المسببة للعنف ضد النساء في مجتمعنا التي سادت لدى بعض المتعاطين بشكل مباشر أو غير مباشر بمشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري، والتي أدّت إلى وضع مجموعة من العراقيل تسببت في إطالة أمد النقاش فيه في اللجنة الفرعية التي كلفت من قبل اللجان النيابية المشتركة بدراسته ووافقت عليه بعد إحداث تعديلات أساسية عليه في ۲۲ تموز ۲۰۱٣ مما أحدث تشويهات في القانون تمكّن التحالف الوطني لتشريع حماية النساء من العنف الأسري من الوقوف بوجه الكثير منها من خلال الحملات الضاغطة التي قام بها، حيث تمكّن من:

  • إعادة إدراج اسم النساء في عنوان القانون: مشروع قانون لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري
  • إعادة النظر بتجريم إكراه الزوجة على الجُماع ولو أنها اكتفت بتجريم الضرب والإيذاء والتهديد للحصول على ما أسمّته «الحقوق الزوجية».
  • تعديل نص المادة ۲٦ بشكل لم يعد يؤثّر على تطبيق القانون فيما بعد. ويصرّ التحالف على أن يصدر هذا القانون بالصيغة التي تلبي حاجات وطموحات النساء في حصولهنّ على الحماية الكاملة، عبر المطالبة:
  • بأن يكون مضمون مشروع القانون منسجماً مع عنوانه بحيث يخصص شق الحماية فيه للنساء فقط، على أن يبقى الشق الخاص بالعقوبات معمّماً على جميع أفراد الأسرة.
  • بأن تعدل المادة ۱۲ التي تربط حماية الأطفال بسنّ الحضانة وفقاً لقوانين الأحوال الشخصية، فالحق بالحماية هو حق مطلق ولا يمكن أن يكون مشروطاً أو مميّزاً بين امرأة وأخرى أو طفل وطفلة (بحسب قوانين الأحوال الشخصية).
  • بأن يُجرّم إكراه الزوجة على الجماع إذ أن المطلوب هو تجريم فعل الإكراه وليس الضرب والإيذاء، وأن يحال هذا الجرم على باب الاغتصاب في قانون العقوبات وليس على باب الضرب والإيذاء.
  • بإعادة الصلاحية بإصدار قرار الحماية إلى المدّعي العام الاستئنافي الأسري بعد أن كانت اللجنة قد عدّلت المادة المتعلّقة بقرار الحماية (وأصبحت المادة ۱٣) بحيث أصبحت الصلاحية لقاضي الأمور المستعجلة أو قاضي التحقيق مما يصعب على النساء اللجوء إلى القضاء.

وأقرّ «قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري» في الهيئة العامة للمجلس النيابي في    ۱ نيسان ۲۰۱٤ بالصيغة نفسها التي أحيل بها من اللجان النيابية المشتركة.

بتاريخ ٧ نيسان ۲۰۱٧ تم إطلاق مسودّة تعديل القانون ۲۰۱٤/۲٩٣ « لحماية النساء وسائر أفراد الأسرة من العنف الأسري » بعد مرور ٣ سنوات على إقرار القانون في المجلس النيابي.

المديرة العامة لوزارة العدل القاضية ميسم النويري لخّصت التعديلات المقترح إدخالها على القانون وتحديداً المواد ۲ ­ ٣ ­ ٤ ­ 5 ­ ٩ ­ ۱۱ ­ ۱۲ ­ ۱٣ ­ ۱٤ ­ ۱٧ ­ ۱٨ و۲۱ من القانون ويمكن اختصارها بالتالي:

إعادة تعريف الأسرة بحيث تشمل الزوجين ليس فقط أثناء الرابطة الزوجية وإنما أيضاً بعد انحلالها لأن هذا الانحلال لا يمنع المعنّف من ارتكاب التعنيف، إعادة تعريف العنف الأسري ليعكس أيضاً استعمال السلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها، معاقبة بجريمة العنف الأسري كل من حرّض أو اشترك أو تدخّل في هذه الجريمة ولو كان من خارج أفراد الأسرة للحؤول دون استعانة المعنّف بأشخاص غرباء عن الأسرة، إدراج نصّ خاص للعقوبات يغني العودة إلى قانون العقوبات، فتصبح جريمة العنف الأسري بموجبه جريمة قائمة بذاتها وتتمّ معاقبة نتائجها الجرمية كافة من قتل قصدي، وغير مقصود، واستغلال جنسي، وحجز الحرية وإيذاء جسدي معنوي وإقتصادي.

اعتماد مبدأ تخصّص القضاة في قضايا العنف الأسري عبر تكليف قضاة في كل محافظة لتلقّي الشكاوى ومتابعة جميع مراحلها من محامين عاميين وقضاة،

تخصيص الحماية للنساء، شمول الحماية للأطفال بغضّ النظر عن سن حضانتهم، تكريس حق المرأة في إخراج أولادها معها من المنزل حكماً كما وسائر الأشخاص المقيمين معها إذا كانوا معرّضين للخطر، إلزامية جلسات التأهيل للمعنّف في قرار الحماية، تفعيل آلية تنفيذ قرارات الحماية بين السلطات المختصة (تعديل يسمح للمحامي العام أن يتّخذ إجراءات بمعرض تنفيذ أمر الحماية الصادر عن قاضي العجلة).

تجدر الملاحظة إلى أن عدد قرارات الحماية الصادرة في مختلف المحافظات اللبنانية قد تجاوز ٣5۰ قرار حماية منذ إقرار القانون في ۲۰۱٤ ولغاية أخر عام ۲۰۱٦ وتأمل منظمات المجتمع المدني الإسراع في بتّ التعديلات المقترحة على القانون وتطبيق البنود التي ما زالت غير مطبقة في القانون ۲٩٣ مثل إنشاء القطعة المتخصّصة في قوى الأمن الداخلي، مع العلم بأن هناك تداخل صلاحيات مع المحاكم الشرعية والروحية في نطاق قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها لدى مختلف الطوائف المتعلّقة بالطلاق والحضانة والنفقة وتحديد السنّ الأدنى للزواج، ألخ

مراكز الخدمات لدعم النساء المعرّضات للعنف:

يبدو جلياً في البحرين تزايد أعداد مراكز الإرشاد الأسري ودور الإيواء: دار الأمان على الصعيد الرسمي تابع لوزارة التنمية الاجتماعية، وإنشاء لجنة حماية المرأة من العنف لتقديم الرعاية الصحية للناجية من العنف بالإضافة إلى مراكز على المستوى الأهلي لتقديم الإستشارات التوعوية والقانونية. وهذه خطوة إيجابية بحاجة إلى التوسع لمساندة النساء وحمايتهنّ.

بينما في لبنان لا يوجد دار إيواء للنساء الناجيات وأولادهنّ بعهدة الدولة، وإنما يوجد العديد من مراكز الإيواء التابعة لمؤسسات دينية أو اجتماعية. بالمقابل يوجد تخصّص لدى عدد لا بأس به من الجمعيات في تقديم الخدمات الاجتماعية والنفسية والقانونية للناجيات من العنف. كما يوجد مركز للرجال للتأهيل على المستوى النفسي، ويجري التعاون المستمرّ مع القوى الأمنية التي خضعت لدورات تدريبية في هذا المجال وأصبح لديها خط ساخن للتبليغ عن حالات العنف الأسري.

وتبقى الحاجة كبيرة رغم كل الجهود المبذولة لتوسيع هذه الخدمات لتغطّي كافة المناطق مع الحاجة الماسّة لإنشاء مرصد وطني لإحصاء حالات العنف.

قانون الجنسية لأبناء المرأة المتزوّجة من أجنبي:

كما في لبنان، فإن الحاجة ماسّة إلى قانون يجيز للأم البحرينية بمنح جنسيتها لأولادها وزوجها.

وقد انطلقت مسيرة المطالبة بهذا الحق عام ۲۰۰۲ في حملة إقليمية تحت شعار «جنسيتي حقّ لي ولأبنائي» وانضمّت إليها البحرين سنة ۲۰۰٤ ضمّت ۹ دول عربية. وقام الاتحاد سنة ۲۰١٨ بحملة رصد لأعداد النساء المتضرّرات وتمّ تنظيم مدافعين ومناصرين لحق منح الأم البحرينية جنسيتها لأولادها.

أسوةً بالبحرين فما زال لبنان متحفّظاً على البند ۲ من المادة ۹ من اتفاقية سيداو، ولا يزال قانون الجنسية اللبناني الصادر سنة ١۹۲٥ والمعدّل سنة ١۹٦۰ يميز ضد المرأة اللبنانية حيث أنه ينصّ بصراحة «يعدّ لبنانياً من وُلِد من أب لبناني».

وقد جهدت الجمعيات النسوية والمنظمات المدنية على الضغط على الحكومة لإقرار قانون منح الجنسية للأولاد والزوج ولكنها باءت بالفشل رغم الحملات المكثّفة في هذا الإطار مثل «جنسيتي حقّ لي ولأسرتي» «جنسيتي إلي وإلن» «جنسيتي كرامتي» مما دفع الموضوع إلى التداول الإعلامي والسياسي.

وكان لتبني الهيئة الوطنية لشؤون المرأة  هذا الموضوع وإدراجه ضمن الاستراتيجية الوطنية أثراً إيجابياً نتج عنه انتقال النقاش لأول مرة إلى مجلس الوزراء حيث تشكّلت لجنة وزارية لمناقشة الموضوع.

ولكن للأسف نبقى حالياً بانتظار تشكيل حكومة جديدة في لبنان وقد أنهك الشعب اللبناني من الملفات الحياتية والاجتماعية والمالية والبيئية والاقتصادية والحقوقية، ألخفضاعت الحقوق وتشتتت.

في الختام، لا بدّ من التنويه بجهود الحركة النسوية المناضلة في كل من البحرين ولبنان أسوةً بالدول العربية منذ الخمسينات، وذلك على جميع المستويات الاجتماعية والثقافية والتشريعية والحقوقية والاقتصادية، متّخذة الاتفاقيات والمواثيق الدولية كمرجعية لها. وقد طالبت وما زالت برفع التحفّظات عن اتفاقيةسيداوومواءمة التشريعات الوطنية مع هذه المواثيق الدولية ومطالبة الحكومات بوضع سياسات وموازنات تراعي منظور النوع الإجتماعي.

وشكراً