الوسوم

, , , ,

الأخوات والإخوة رفاقَ وأصدقاءَ المناضلِ عبدالرحمن النعيمي

حضورَنا الكريم، أٌسعدتُم صباحاً بكلِّ خير. هذه هي الدورةُ السابعةُ لمنتدىً أسَّسه رِفاقُ المناضلِ عبدالرحمن النعيمي في سبتمبر 2011 كمؤسسةٍ فكريةٍ عربيةٍ مستقلة. يهدفُ المنتدى إلى إقامةِ لقاءاتٍ قوميةٍ سياسيةٍ واقتصاديةٍ واجتماعيةٍ مرتبطةٍ بواقعِ وطنِنا العربيِّ الكبير، ملتزما بثوابتِ أمتِنا، خاصةً تحريرُ كامِلِ ترابِ فلسطينَ، وتحقيقِ حلمِ شعبِنا العربيِّ من المحيطِ إلى الخليجِ في الوحدةِ والعدالةِ والحريةِ والمساواة.

سَبَق أن عَقَدَ المنتدى ستةَ لقاءاتٍ منذُ عام 2013 ولغايةِ عام 2018، جميعُها في بيروت العزيزة، حيث تناولت تراثَ النعيمي السياسيِّ والفكريِّ والنضاليِّ ومواقفِه من الأوضاعِ السياسيةِ في البحرين وعمومِ الوطنِ العربي، وبالأخصِّ القضيةَ الفلسطينيةَ، كما ركَّز المنتدى على الهويةِ القوميةِ والوطنيةِ والهوياتِ الفرعية، وناقش في دوراتِه قضايا متعددةً منها آفاقُ التحولاتِ في ثوراتِ الربيعِ العربيِ، والاحترابُ الطائفيُّ ومستقبلُ الدولةِ الوطنيةِ في العالمِ العربي، والتوزيعُ العادلُ للدخلِ والثروةِ، وآفاقُ المساواةِ  بين الرجلِ والمرأةِ وذكوريةُ الحياةِ السياسيةِ والحزبيةِ العربية. وقد شارك في هذه المنتدياتِ نخبةٌ من المفكرينَ والسياسيينَ والمتخصصينَ العربُ ورفاقُ دربِ النعيمي، حيث قدموا أوراقَ عملٍ قيِّمةٍ قمنا بتجميعِها في كتيبات مطبوعة.

وقد قرر المنتدى أن يعقدَ لقاءَه السابعَ هذا العام تحتَ عنوان “انعكاساتُ وآثارُ التطبيعِ مع الكيانِ الصهيونيِ على فلسطين ُوالبلدانِ العربية”، حيثُ تناقش هذه الدورةُ الآثارَ الخطيرةَ لإتفاقيات التطبيعِ الأخيرةِ مع الكيانِ الغاصبِ وأساليبَ المقاومة الشعبيةِ العربيةِ، خاصةً من قِبَل جماعاتِ مقاومةِ التطبيع، مدعومةً بنهوضٍ جماهيريٍ فلسطينيٍ أعادَ الاعتبارَ لمسالة الكفاحِ المسلحِ داخلَ الأرضِ المحتلة.

حضورَنا الكريم

خلالَ السنواتِ الماضيةِ استمر النظامُ العربيُ الرسميُ المهترئ، بسببِ منظومةِ الفسادِ والاستبدادِ والارتهانِ للخارج، في تقديمِ تنازلاتٍ خطيرةٍ انتهت بتوقيعِ الاتفاقاتِ”الابراهيمية”، مما ساهمَ في إقحامِ الكيانِ الصهيونيِ في الخلافاتِ البينية العربيةِ-العربية والصراعاتِ العربيةِ-الإقليميةِ من جهة، ومن جهةٍ أخرى في الشؤونِ الداخليةِ لهذه الأقطارِ التي إستخدمت الخبرة َالصهيونيةَ في المجال ِالاستخباراتيِ لقمعِ المعارضينَ داخلَ بلدانها.

تحاول الصهيونيةُ العالميةُ غزوَ العقلِ العربيِ من الساحةِ الثقافيةِ بعد أن حققتْ نجاحاتٍ دبلوماسيةٍ واقتصاديةٍ واستخباراتيةٍ وعسكرية، بفضلِ دعمِ المركزِ الرأسماليِ العالمي، متغلغلةً في النظامِ الرسميِ العربي. لكن ديمومةَ التسويةِ السياسية مع الأنظمة العربيةِ لا تتحققُ إلا بالتسويةِ عن طريقِ التطبيع. إِذَن، الثقافةُ بمفهومها ِالواسعِ من قيمٍ وأفكارٍ وسلوكٍ وذاكرةٍ جمعية، الثقافةُ التي تختزلُ تاريخنا  ورصيدَ خبراتنا  المشتركة، هي أهمُّ ترساناتِ الدفاعِ عن مشروعنا  العربيِ الوحدَويِ المستقلِّ الذي تقعُ فلسطينُ في القلبِ منه، وبدونها يكتملُ المشروعُ الصهيونيُ والاستعماريُ في تفتيتِ الأمةِ وإخضاعها. هدفهم أن نصبحَ أمةً مشغولة بحروبها الداخلية، نستقوي بالعدوِّ على الشقيق، أمةً بلا هويةٍ، بِلا تاريخٍ جامعٍ أو مصيرٍ مُشترَك، بِلا ثقافةٍ أو قيم ،بِلا حواجزَ نفسيةٍ تصدُّ الغزوَ الثقافيَ، بِلا  شرفٍ أو كرامة.

غير أنَّ الرغبةَ لدى العدوِّ في تحويلِ الإتفاقياتِ “الإبراهيمية” الرسميةِ إلى تطبيعٍ شعبيٍّ مُنيت بنكسةٍ كبيرةٍ خلالَ مونديال كأسِ العالمِ في قطر الذي كان العلمُ الفلسطينيُ حاضراً في كلِّ مبارياته وساحاته، والمُشجِّع العربيُ متصدياً وساخرًا من وسائلِ الإعلام الصهيونيةِ المتواجدة هناك التي أرادت أن تثبت  لجمهورِها أنَّ السرطان تمكن من الأمة. لقد تحول المونديالُ إلى استفتاءٍ علنيٍّ للشبابِ العربيِّ خصوصاً حول أمرَين: مركزيةُ القضيةِ الفلسطينيةِ في الوَعْي الجمعي، وأهميةِ التضامنِ العربيِ كما أَظهرَهُ وقوفُ المشجعين العرب صَفاً واحدًا خلفَ المنتخباتِ العربيةِ وسفيرهم في الأدوارِ النهائية: المنتخبُ المغربي.

ونحن نناقشُ التجاربَ المتميزةَ في مقاومةِ التطبيع، علينا أن نبحثَ عن رؤًى ووسائلَ إبداعيةٍ جديدةٍ، وتحالفاتٍ وتشبيكٍ عربيٍّ وإقليميٍّ ودوليٍّ، وخطابٍ معرفيٍّ وسياسيٍّ وإعلاميٍّ وفنيٍّ إبداعيٍّ جديدٍ يواكب التغيراتِ السريعةَ في مخططاتِ العدوِ وحلفائه الجدُد، فلم يَعُدْ تطبيعُ النظامِ العربيِ الرسميِ مستوراً مخفياً، أي كما قال شاعرُ اليمنِ الكبيرُ عبدالله البردوني في قصيدتِه ((الغزو من الداخل)) :

فظيعُ جهلُ ما يجرِي … وأَفظعُ منه أن تدري

وهل تدرين يا صنعاء … من المستعمرُ السري

غــزاةٌ لا أشاهدهم … وسيفُ الغزوِ في صـدري

هذا الغزوُ الصهيونيُ أصبحَ اليومَ عَلَنياً وصاخباً، يقتحمُ أوطاننا في مسابقاتٍ رِياضيةٍ، في الإعلام والتجارة ، في الأمن والتسليحِ ، في مؤتمراتٍ ومنتدياتٍ وتبادلٍ ثقافيٍ وعلمي، وزياراتٍ حكوميةٍ رسميةٍ، وسياحةٍ وطيرانٍ، وعلى لسانِ فتاوَى بعضِ رجالِ الدين.

حضورَنا الكريم،،

نحن اليومَ على مفترقِ طرقٍ عالميٍ قد يرسمُِ لنا نهايةَ عالمِ القطبية الواحدةِ، وانتهاءِ المركزيةِ الأوروبيةِ الغربيةِ التي كانت السببَ في قيامِ الدولةِ اليهوديةِ ودَيمومتِها. إستراتيجياً، نحن أمامَ قوًى وتحالفاتٍ دَوليةٍ صاعدةٍ، لديها مشاريعُها الجيوسياسيةُ المنافسةُ للمشروعِ الأمريكي. ولدينا حركةٌ عالميةٌ متعاطفةٌ مع الحقِّ الفلسطينيِّ، خاصةً في أوساطِ الشباب، وحراكٍ حقوقيٍّ دوليٍّ تبنى لأولِ مرةٍ توصيفَ الكيان الصهيونيِ كنظام فصلٍ عنصريٍّ “أبارتهايد”.

لكن الحتمياتِ التاريخيةِ لا يصنعها من  ينتظرُ التغييرَ، بل من يستغلُّ رياحَ التغييرِ لتوجيه دفة سفينته إلى الوجهة التي يريدُها. إنَّ إِفشالَ المشروعِ الصهيونيِ مرهونٌ باستنهاض مشروعٍ عربيٍّ يعملُ على إستراتيجية تستغلُ رياح التغييرِ في المُناخ الدوليِّ، وتُسخِّر حقيقةَ وجودِ قوًى إقليميةٍ صديقةٍ مُؤمنةٍ بعدالةِ القضيةِ الفلسطينيةِ، لِصالحِ المشروع العربيِّ المقاوِم.

ختامًا واجبنا تقديمَ الشكرِ والتقديرِ لِمُعدِّي أوراقِ العمل، وهم نخبةٌ فكريةٌ منخرطةٌ في العملِ النضاليِّ والسياسيِّ وفي حركاتِ مقاوَمةِ التطبيعِ في الأقطار العربية، كما نشكر رؤساءَ جلساتِ هذا المنتدى، ونخصُّ بالامتنانِ لأستاذنا الكبير الأخ مَعن بشور  والمركزِ العربيِ الدوليِ للتواصلِ والتضامنِ على رعايتِه الكريمةِ واحتضانِه لهذا  المنتدى، والشكرُ موصولٌ إلى جميعِ الحاضرينَ، متطلعينَ إلى سماعِ مداخلاتِكم ومساهماتكم ورؤاكم لإثراء هذا المنتدى.

                      والسلام عليكم)).