ندوة الهوية العربية بين الوحدة والتشظي

أبو أحمد فؤاد

نائب الأمين العام

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

تحدث المناضل العالمي والقائد الفذ نلسون مانديلا” إن الجبناء يموتون لمرات عدة, أما الشجعان فيموتون لمرة واحدة”

إن القادة الكبار والمناضلين الأفذاذ من أمثال أبو أمل / عبد الرحمن النعيمي ينطبق عليهم هذا القول المأثور, لأنه  نذر نفسه لقضية عادلة, وأنغمس فيها بكل كيانه حتى نخاع العظم, وأخذت عليه حياته والتي أرادها مفيدة, وليست طويلة فعمل بكل ما ملك من طاقة وإرادة وإمكانيات خدمة لتلك القضية.

قضية البحرين الديمقراطية العادلة, القائمة على أفضل المستويات الحضارية الإنسانية الثقافية والاجتماعية والتي توفر لإنسانها أن يحيا بكرامة وعزة في وطنه البحرين, وقد بدأ القائد والمناضل القومي الكبير / عبد الرحمن النعيمي (أبو أمل ) بذلك, وذهب وهو قابضاً بقوة على قناعاته وآماله وأحلامه بمستقبل أفضل للبحرين وللأمة العربية.

تحدث الحكيم/ جورج حبش عن أمثال أبو أمل في مقدمة كتاب (حركة القومين العرب) نشأتها, تطورها وموقفها من القضية الفلسطينية (1948_1969) بالاقتباس التالي “هناك في أمتنا العربية شباب لا تثنى عزائمهم, وفي إرادتهم ما يقهر الهول والمستحيل, وملئت أرواحهم بما يتحدى الفناء, هكذا كانت عزيمتنا وإرادتنا يوم كنا شباباً, ومازلنا على ذلك العهد, وأضاف, إن أمتنا تزخر اليوم بشباب يملكون العزيمة والإرادة لقهر كل عوامل التخلف والسلبية الموروثة في أمتنا, ولدحر الاحتلال عن أرضنا العربية, هكذا طبيعة الكفاح, جيل يسلم الأمانة والراية لجيل يليه وإن تغيرت المسميات, فيبقى نور العقيدة متأججاً في النفوس ويستمر هديها منيراً لطريق الكفاح الشاق الطويل.

إن إرادة التحدي وعزم الشباب هما وراء تجربة حركة القوميين العرب الرائدة, هكذا كان عبد الرحمن النعيمي الذي انتمى لحركة القوميين العرب وأصبح أحد القياديين العرب فيها, فمنذ البداية لم يقتصر اهتمامه على البحرين ولكنه اهتم بالقضية الفلسطينية وكان لتسلمه خلايا من حركة القوميين العرب من مختلف الجنسيات أساس لاهتماماته العربية مما جعله يميل بصورة طبيعية إلى العمل الوحدوي والقومي, فقد كان عضواً في المؤتمر القومي والمؤتمر القومي الإسلامي, عضو تجمع الديمقراطيين العرب في الأردن وملتقى الحوار الثوري العربي, ففي هكذا التزامات من الطبيعي أن يكون أبو أمل وحدوياً ـــ عروبياً ـــ تقدمياً , يعمل بكل ما يملك من إرادة وقوة لأجل أمته العربية مقاتلاً بكل بسالة مظاهر التشرذم والتمزق والتشظي فيها, لذا كانت انتقاداته لمجلس التعاون الخليجي لجهة سوء الأداء وعدم القيام بالخطوات الجادة للوصول إلى الوحدة المنشودة فضلاً عن غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية التي هي في نظره الأساس الواقعي لنجاح أي تعاون أو وحدة جادة وكان يرفض ارتهان الأنظمة في الخليج لمصالح أمريكا أو تركيا على حساب مستقبل المنطقة وكان دوماً مؤكداً على ضرورة التوجه للعمق العربي والاعتماد عليه في كل شجون وشؤون دول الخليج العربي.

رحل أبو أمل وهو يحمل حلم الوطن الكبير في الديمقراطية والحرية والاستقلال الكامل عن هيمنة الغرب الامبريالي وصولاً لوحدة خليجية جادة حقيقية ووحدة عربية على أساس ديمقراطي يحقق العدالة الاجتماعية والتي تحفظ لإنساننا العربي العزة والإباء.

رسم عبد الرحمن النعيمي سياسته بعيدة المدى بأفق استراتيجي ترى في العمق القومي أساس الأمن وركيزة الاستقرار لدول الخليج, لذا حارب النزعة الانعزالية المحلية التي تسعى دوائر الأسر الحاكمة الى إطلاقها تحت تسمية الدفاع عن الكيان والوطن, وتصدى للنزعة الإقليمية الخليجية التي تسعى إلى عزل المنطقة عن عمقها القومي, وقد طالب برسم سياسات عملية صائبة تُحكّم العقل والمصلحة القومية, وقد سلط الضوء انطلاقاً من موقفه على مشكلة الحدود

بين دول الخليج, وخاصةً المشكلة بين البحرين وقطر, واعتبر أن الحكام يفتشون عبرها عن انتصارات وهمية على بعضهم البعض الأمر الذي يظهر أحياناً بشكل ما بين البلدان العربية في مباريات كرة القدم على غرار ما حدث بين الجزائر ومصر مثلاً.

إن القائد النعيمي العروبي الوحدوي كان صريحاً عندما أطلق صرخته بالفم الملآن قائلاً ” لا تدعوا الأمريكان يلقون القبض على المنطقة العربية عبر فصل أمن الخليج عن عمقه القومي, إن الشرطي الأمريكي القابض على ديوان مجلس الأمن الدولي, يطالب أن تقبل الإمارات العربية المتحدة ما قبلته جاراتها في دول مجلس التعاون من توقيع اتفاقية أمنية دفاعية مع واشنطن وليس مع مجلس الأمن, كي يتحرك مجلس الأمن بفعل قوة الاندفاع والضغط الأميركية لحل أزمة الخلاف حول الجزر في الخليج بين دولة الامارات والجارة إيران, أنه حذر حينذاك من المخطط الأمريكي وقد كتب قائلاً ” المخطط الأمريكي لا يقدم خطة متناسقة موحدة بل يضع باستمرار أمامه خيارات متعددة لاستخدام هذا الخيار أو ذاك حسب الظروف وتبدلاتها, إلا أن الثابت هو كيفية المحافظة على المصالح الأمريكية في منطقة الخليج, المخطط الأمريكي كان ومازال يعمل لمزيد من التفتيت للصف العربي بإشعال الفتن بأشكال ومسميات مختلفة, والمؤلم أن لدى العرب الكثير من الثغرات والنواقص والمزالق التي يمكن لواشنطن أن تستغلها لتنفيذ مآربها التمزيقية ضد الأمة العربية, إن ما يجري هذه الأيام في المنطقة والإقليم وتحديداً في العديد من الدول العربية يؤكد ما جاء في حديث المناضل أبو أمل.

إن مَلكة الاستشراف الشفافة لديه شاهدت بعمق الأوضاع الصعبة التي كانت تسعى أمريكا للوصول إليها في الوطن العربي عموماً وبلدان المشرق على وجه الخصوص.

إن تداعيات المخطط الامبريالي الأمريكي فيما يسمى بالفوضى الخلاقة تأكل الأخضر واليابس في العديد من بلدان المشرق العربي, فالنظام الإقليمي الجديد الذي تعمل أمريكا لترسيخه يهدد أمن كل دول الإقليم, ويدفع للتشظي والتجزئة حتى في البلد الواحد بسبب مظاهر الحروب

الأهلية المستشرية هنا وهناك بما يهدر ويبدد الامكانيات والطاقات ويحقق الهدوء وغياب التحديات التي تجابه دولة العدوان الصهيوني, إن إغراق الجيوش العربية في حروب داخلية بتخطيط صهيوني أمريكي يضرب مصالح العرب الحيوية والمصيرية في الصميم, فالشرق الأوسط الجديد الذي بشّر به في حينه شمعون بيريز لا يتضمن أي جديد بل تقسيم وتفكيك للجغرافيا السياسية, ولإخراج كيانات مهشمة مذهبية طائفية متصارعة تقاتل بعضها بعضاً لتحظى “إسرائيل” بالهدوء, والأمن, والاستقرار, والبقاء, إن هكذا مشهد في الحالة العربية عموماً يعني أن يبقى المواطن العربي محروماً من حقه في اعتبار الوطن الممتد من المحيط الى الخليج, وطنه الحقيقي.

المواطن العربي مازال يعيش داخل الأسوار والحدود التي صنعها الاستعمار بواسطة ضباط الاحتلال البريطانيون والفرنسيون في الخليج ومنطقة الهلال الخصيب ووادي النيل ويجسدها الاحتلال الصهيوني لفلسطين والذي مضى عليه ما يقارب الـ 66 عاماً في قاعدة استيطانية تجذر دوام التمزق والتشظي والتجزئة لأمتنا العربية.

إن مكونات الوحدة العربية, مكونات ليست اعتباطية أو مجرد عواطف ورغبات, إنها مكونات ومقومات أصيلة أولاً بالوقائع, التاريخ الواحد, اللغة, الجغرافيا, ومن ثم المكونات الروحية, الثقافية, الإنسانية, الحضارية, وفي حدود هامة في المكونات الدينية, من حيث القيمة الجيوبولتيكية للمنطقة العربية, والثروات الهامة الموجودة فيها (خاصة النفط والغاز), إن الوحدة العربية ستبقى هدفاً دائماً لمختلف أنواع الغزاة والمستعمرين وفي القلب منهم “إسرائيل” وسيبقى هدف دفع العرب للاحتراب والانقسام والتمزق, الهدف الدائم لهم جميعاً.

إن أمتنا العربية بحاجة لمحاربين أشاوس من أمثال المناضل الفذ أبو أمل للدفاع عنها وعن وحدتها في مواجهة مختلف الأعداء والتحديات, والتي تتعاظم مشاهدها منذ بدايات هذا القرن ومازالت مستمرة وتتفاعل حاملة المزيد من الأخطار على الأمة العربية جميعها.

أخيراً كبا جواد أبو أمل / سعيد سيف, ولكن مازالت ذكراه في نضاله حية ناصعة وقوية وتتفاعل مع المناضلين من رفاقه في جمعية العمل الوطني الديمقراطي ــــ وعد ــــ وفي أوساط القوى والشخصيات العربية التي عرفته كمناضل عروبي وحدوي باسل, صنديد, لا يشق له غبار في معارك النضال الوطني, والقومي, والأممي.

ولا يفوتني هنا في ظل هكذا حضور كريم, أن أعبر عن امتناني وتقديري وشكري لجمعية وعد والتي نجد أنها تمثل مظهراً هاماً من مظاهر الوفاء والتقدير والاحترام لتاريخ ونضالات قادتها, عبر الفعاليات والنشاطات والندوات, كهذه التي نشارك فيها الآن.

وتقبلوا فائق الاحترام والتقدير

أبو أحمد فؤاد

نائب الأمين العام

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

09-11-2014