التمويل الأجنبي وتفتيت الأمة شبكة الإعلام المجتمعي نموذجاً 

صدرت دراسة في عام 2012 في الأردن بعنوان (نحو مواطنة كاملة) وهي من إعداد الدكتور محمد الموسى، المحامية تغريد الدغمي. ويتشكل فريق رصد الدراسة من: هديل الحالبس، شادن أبو الهيجاء ومحمد بشير شما. بينما تتشكل هيئة المستشارين ومراجعة الدراسة من كل من: المحامية أسمى خضر، الدكتور حمدي مراد، المحامي طالب السقاف، الأستاذ جريس حبش، الدكتور أيمن هلسة، الكاتب محمد عمر، المحامية نور الإمام والكاتب إبراهيم غرايبة.

مقدمة:   

عقد مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية مؤتمر حول إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأقليات وهموم الملل والنحل والأعراق والشعوب في الوطن العربي والشرق الأوسط في ليماسول من 12 – 15 أيار 1994 في قبرص. وذلك بالتعاون مع جماعة حقوق الأقليات (MRG)، وهذا المؤتمر كان يرغب أن يعقد في القاهرة ولكن القوى المناهضة للتطبيع وقفت ضد فكرة عقد المؤتمر، ولهذا تم عقده في قبرص، وكان رئيس اللجنة المنظمة الدكتور سعد الدين إبراهيم والذي هو رئيس مركز إبن خلدون والذي عمل في الأردن مديراً لمنتدى الفكر العربي. وسعدالدين ابراهيم من أوائل الذين طرحوا وعملوا دراسات ممولة من الخارج لبحث موضوع الأقليات في الوطن العربي. وزوجته باربرا كانت مديرة فورد فاونديشن في المنطقة. ومن المعروف أن فورد فاونديشن من أكثر المؤسسات التي تعمل بتنسيق مع السياسة الرسمية الأمريكية وعدد كبير من مديريها لهم ارتباطات مباشرة مع الجهات الرسمية الأمريكية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ومن المعروف أن سعد الدين إبراهيم من أنصار التسوية السياسية مع الكيان الصهيوني الغاصب وشكّل لجان مراقبة الانتخابات في مصر وكان يذهب إلى الكيان الصهيوني باستمرار، والأعضاء الذين كانوا معه في لجان مراقبة الانتخابات كانوا يسكتون عنه وكثير منهم من اليساريين واليساريات بسبب تمويلهم من قبله.

والدراسة التي قامت بها شبكة الإعلام المجتمعي في عمّان ذكرتني في الدراسة التي صدرت في مجلة جوردني عام 1997 وهي مجلة غير دورية كانت تصدر عن مركز سيرموك الفرنسي التابع لوزارة الخارجية الفرنسية والذي يقدم دراسات في هذه المجلة الأكاديمية عن الأردن بشكل خاص والوطن العربي بشكل عام. نشر دراسة لمؤلف فرنسي وهو جان بيير فالونيو تقع في أكثر من ألف صفحة والذي يعلن فيه أن مسيحيي الأردن معرضون للاضطهاد وأن المسيحيين يعانون من العنف الإسلامي الذي خلق قلقاً صامتاً يفسر هجرة المسيحيين الأردنيين إلى الغرب وأن الاضطهاد الإسلامي في الأردن للمسيحيين خلق مؤسسات كنسية تجعل ولاء المسيحيين الأردنيين إلى هذه المؤسسات وليس إلى الوطن وأنهم معرضون من الاضطهاد إلى الزوال التام.

وفي تلك الفترة قمت بحملة ضد المجلة التي تصدر في الأردن وبدون علم دائرة المطبوعات والنشر وفي النهاية تم إغلاق المجلة بحجة وقف التمويل ومصادره من الاتحاد الأوروبي والقسم الثقافي في السفارة الفرنسية في الأردن والسفارة الإيطالية في الأردن والسفير البلجيكي في عمان.

ومن المؤسف أن هذا المركز الفرنسي كان يستضيف عدداً كبيراً من المسؤولين والمثقفين الأردنيين في ورش عمل مختلفة.

أما شبكة الإعلام المجتمعي التي يديرها الأستاذ داود كتّاب وهو صحفي أميركي من أصل فلسطيني ومقيم في الأردن وهو الذي أسس هذه الشبكة ومجلس إدارتها يتكون من:

الكاتب والروائي إلياس فركوح

والصحفية رنا الصباغ

وسلام مدانات

ومحمود الزواوي

 ومن المعروف أن الأستاذ داود كتّاب كتب مقالاً في مجلة (ذي أتلانتيك) بتاريخ  26/12/2012 يروّج فيه لفكرة الكونفدرالية بين الفلسطينيين والأردن والذي يقول فيه أن الملك عبدالله الثاني ليس لديه حساسية من الكونفدرالية وليس للفلسطينيين مخاوف منها كما ورد في نص الترجمة التي قدمها حسن البراري في موقع (عين الأردن) تحت عنوان:

داود كتّاب يسأل: هل الفلسطينيون مستعدون لاقتسام دولة مع الأردن؟

أما الجهات الداعمة لشبكة العمل المجتمعي كما ورد من موقعها الإلكتروني

  • مؤسسة المجتمع المفتوح
  • المؤسسة الدولية لدعم الإعلام
  • المركز الثقافي البريطاني – عمان
  • منظمة اليونسكو – عمان / باريس
  • الوطنية لدعم الديمقراطية
  • أيريكس – فرع عمان
  • أمانة عمان الكبرى
  • مؤسسة فورد- مقرها الإقليمي القاهرة
  • مبادرة الشرق الأوسط
  • نسيج – مبادرة التنمية الشبابية المجتمعية
  • مؤسسة إنقاذ الطفل SOS
  • الاتحاد الأوروبي
  • وزارة التنمية السياسية
  • مؤسسة الضمان الاجتماعي
  • وكالة التنمية الأمريكية US Aid
  • الحكومة الفنلندية
  • الحكومة النرويجية
  • مؤسسة فريدرش يبيرت
  • الحكومة الألمانية
  • مؤسسة التعاون الدولي التابعة للجمعية الألمانية لتعليم الكبار.

 

 

كلام عن الدراسة:

تتناول الدراسة الأقليات الدينية في الأردن: البهائيين والإنجيليين والشيعة والدروز. وتقع في (69) صفحة قدّم لها الدكتور حمدي مراد ويقول: “إن هدف هذه الدراسة يأتي لتحقيق مزيد من السمو في العدل وتحقيق مزيد من الحريات لهم بما لا يتعارض مع الإسلام والمعتقدات الأخرى داخل الأردن”.

ويناشد الدكتور حمدي مراد جميع جهات الاختصاص المعنية وبخاصة الرسمية منها: “أن تأخذ دراستنا هذه باهتمام ينم عن حرصنا ومصداقيتنا وحبنا لوطننا الأردن ليظل متلاحماً مترابطاً متسامحاً متحاباً متعاوناً على البر والخير بعيداً عن أي مصالح أو تدخلات (أجندات) خارجية لأننا أبعد ما نكون عن ذلك وضد ذلك وإن كانت نظرتنا في بعدها الوطني أو العربي أو الإسلامي أو الإنساني هي نظرة شمولية كما أرادها الله لهذا الإنسان بكل زمان ومكان ومنها الأردن العزيز في وقتنا هذا وظروف أمتنا الحاضرة”.

ويقول الدكتور حمدي مراد: ” إن دراستنا هي بداية ومحاولة مخلصة جادة من أجل الوطن، ولا نزكي أنفسنا إطلاقاً فيما نحن قد اجتهدناه ونجتهده من أجل ذلك. لذلك نمد أيادينا ونفتح عقولنا وقلوبنا لكل من يريد أن يمد يد العون أو لكل من له رأي أو موقف …. فإننا نحترم ذلك ونقدره سواء كان مؤيداً داعماً أو ناقداً معترضاً. فإن هذا جزء لا يتجزأ من ندائنا لمزيد من العدالة والحرية في مجتمعنا شرط أن يكون الحوار الإيجابي البنّاء البعيد عن الإساءة للآخر أو النيل منه أو إقصاءه أو اتهامه هو الأصل وأن تكون بعيداً عن الأحكام المسبقة البعيدة عن الدراسة الموضوعية العلمية الإنسانية والتي تحفظ توازن مجتمعنا بالحق والعدل والإحسان والمحبة والتسامح والتعايش الكريم بين بني الإنسان بما يرضي الله سبحانه وتعالى”.

تعليق: إننا نتساءل، إذا عرفنا الجهات الممولة والمعروفة بأجنداتها الخاصة سواء في تفتيت الوطن العربي وخلق عناصر فكرية تصبح أولوياتها هي أولويات الممول وإن هذه الجهات الأجنبية تدعم سياسة العدو الغاصب الصهيوني في فلسطين وتنادي بالسلام معه فكيف تكون هذه الجهات الممولة ليس لها أجندات؟ وكيف تكون الدراسة بعيدة عن الأجندات الخارجية وتمويلها من جهات أجنبية معادية للعروبة والوطن؟.

إننا نسأل الدكتور حمدي مراد ومن معه الذين أشرفوا على الدراسة هل وقفوا ملياً أمام فورد فاونديشن ووكالة التنمية الأمريكية US Aid وسياسة الحكومة النرويجية التي رعت في عاصمتها اتفاقية أوسلو. وهذا ينطبق على القوى الأخرى الداعمة بما فيهم الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية ومؤسسة المجتمع المفتوح.

ومن هنا فإن التمويل الواضح المعترف به من قبل شبكة الإعلام المجتمعي راعية الدراسة هي أولاً وقبل كل شيء ممولة من جهات لا تضمر لوطننا إلا الخراب بالرغم من ادعاء الدراسة أنها نحو مواطنة  كاملة. فهل الأردن يعاني فعلاً وبشكل كبير من التمييز ضد الطوائف الإنجليلية والبهائية والدرزية والشيعية بحيث يفرد لها هذا العدد من الدارسين والراصدين والمستشارين على كافة القضايا الأخرى. ونحن بالضرورة ضد أي تمييز ضد أي مواطن في هذا البلد. فالأردن يعاني من الفساد والفاسدين ويعاني من القوانين والدستور التي بحاجة إلى تغيير جذري ويعاني من التخلف ويعاني من ضعف في التعليم ويعاني من العدو الغاصب الصهيوني ومن ثقافته العنصرية الصهيونية.

ولذلك فإن حديثنا عن هذه الدراسة والتي سنتناولها أكثر في الصفحات القادمة انطلاقاً من إيماننا بأن العروبة هي بوصلتنا وأن المواطن الحر في الوطن الحر هو الذي يستطيع أن يقدم كل طاقاتها لخدمة الوطن لأن الحرية تأتي بالأمن أما الأمن فلا يأتي بالحرية. ومن هنا فإن عنوان الدراسة والمواضيع التي تناولتها تعمل على تفتيت المجتمع بدل وحدته وتتناول قضايا تبدو من حيث الشكل أنها حقيقية وأنه يجب أن نلتفت لها ولكننا نعرف أن المواطن العادي لا يعيش هذه المسائل ولكن التقارير الأمريكية خاصة والغربية الرأسمالية عامة هي التي تبدي اهتمام بالأقليات الدينية في كل بلد كما عمل سعد الدين إبراهيم في مصر في الدراسات الممولة عن الأقليات في الوطن العربي.

إننا نؤمن أننا أبناء أمة عربية واحدة تعاني من التجزئة والتبعية للغرب ونهب ثروات الأمة وغياب الحريات والتخلف في كافة الميادين. هذه هي القضايا الرئيسية التي نسعى لها والتي بطبيعة الأمور عند تحقيقها نستطيع أن نتخلص من أي شوائب هنا أو هناك وليس بالدراسة الممولة من جهات معادية لأن التمويل إما أن يعطينا للأمام إذا كان من جهة صديقة أو يعطينا خطوات للخلف إذا كان من جهة معادية. ولا يغتفر للذين يتمولوا من جهات معادية. أن حكومتنا تقبل التمويل الأجنبي مع الفارق بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني. فالاستقلال ضد التبعية والوحدة ضد التجزئة والتقدم ضد التخلف. من هذه المفاهيم سنسعى لمطالعة الدراسة.

ومن الغريب أن وزارة التنمية السياسية وأمانة عمان الكبرى من الجهات الداعمة لشبكة الإعلام المجتمعي كما يقول موقعها الإلكتروني. فهل هذه الوزارة وسياسة أمانة عمان الكبرى تريد تفتيت الوطن بدلاً من توحيده. وهل مؤسسة الضمان الاجتماعي التي تمثل أموال الموظفين والعاملين تصرف على هكذا دراسات تعمل على تفتيت الوطن. إنني أتساءل إذا كانت هذه المؤسسات الرسمية الكبرى تدعم دراسات عن الأقليات الدينية في الأردن مثل البهائية والإنجيلية والشيعة والدروز.. هل هذه المؤسسات عندما قررت مساعدة شبكة الإعلام المجتمعي هل اطلعت على هذه الدراسة وتعرف أهدافها ومطمئنة إلى اتجاهاتها وهل قرأت هذه الدراسة فعلاً. إننا نسأل مرة أخرى هل من حق أي مسؤول أن يتصرف بأموال المؤسسة المسؤول عنها في غايات مثل هذه الغايات. لم نسمع من قبل عن مثل هذا الأمر. لكننا نعلم أن الوفود الأجنبية سواء من الكونجرس الأمريكي أو مراكز الأبحاث ومؤسسات أمريكية مختلفة وغربية تطالب في بحث موضوع الأقليات الدينية ورفع الظلم عنها كما تدعي. فهل وصلت مؤسساتنا الوطنية إلى هذا الحد من التبعية في استجابتها لأولويات المعسكر المعادي لأمتنا.

تعتقد الدراسة أن هناك تمييز ضد كل من أفراد البهائية والطائفة الإنجيلية والدروز والشيعة في الأردن، وتطالب بتعديل عدد من القوانين. وتتحدث الدراسة بعد إجراء عدد من المقابلات مع أفراد من طوائف البهائية والإنجيلية والدروز والشيعة عن ضرورة إجراء تعديل في القوانين لتضمن المواطنة للجميع.

التعليق الأخير:

مما يلفت النظر أن الدراسة تريد أن تضع في البطاقة الشخصية التي تصدرها الأحوال المدنية ديانة البهائية التي لا تعترف فيها الحكومة الأردنية حيث أن البطاقة تؤكد على وجود الديانة الإسلامية أو المسيحية ولا تذكر أي ديانة أخرى، وإذا كان هناك من يريد المواطنة حقاً فعليه أن يرفض وضع الديانة على البطاقة حتى يعامل الناس متساويين بدون أي تمييز. وهذا يتطلب إلغاء الكوتا بأنواعها المختلفة في قانون الانتخاب الأردني الموجود ببدو الشمال والجنوب والوسط والشركس والمسيحيين الأمر المرفوض في مبدأ المواطنة.

كذلك يلفت النظر أن الدراسة الطويلة لا تتحدث أبداً على أن الأردن جزء من الأمة العربية ولا يذكر العرب لأنه ينطلق من تفتيت المجتمع وإلغاء صفة العروبة شأن كل الدراسات الغربية في موضوع الأقليات. كذلك يلفت النظر أن الدراسة تتوقع أن هناك من سينتقدها لحساسية الموضوع الذي تطرحه وأنها تنشر كل الأمور بكل شفافية. ومما يلفت النظر كذلك أن الدراسة والمقابلات تم إذاعة الكثير منها في راديو البلد التابع لشبكة الإعلام المجتمعي. إن إشاعة هذه الدراسة عن البهائية والإنجيلية والدروز والشيعة في الأردن تجعل الموضوع مطروحاً أمام الرأي العام ويتم تداوله بين الناس، ويصبح أولوية من أولويات المجتمع مع تكرار إشاعة وإذاعة ونشر مثل هذه الدراسات. ومن الملفت للنظر أن سياسة الكيان الصهيوني مع العرب في فلسطين المحتلة تسير في نفس النسق في الحديث عن الشركس والبدو والمسلمين والمسيحيين وليس عن العرب. ومن هنا فإن الجهات الداعمة تريد أن تجعل هذه الثقافة ثقافة الأقليات الدينية أساساً للتعامل معها بالفكر والتشريع، الأمر الذي يعني مزيد من التفتيت. حيث يجري الحديث عن قضايا الزواج المختلط والسماح بتدريس وجهة نظر البهائية في المدارس، الأمر الذي ينطبق أيضاً على الدروز والشيعة في الدراسة التي نتحدث عنها. ونحن نلاحظ منذ فترة طويلة أن هناك حديث عن الأقباط والمسلمين في مصر. ونلاحظ كيف يجري الآن الحديث عن العلويين والمسيحيين والدروز والسريان والأكراد في سوريا. والأمر ينطبق على لبنان والعراق والسودان حيث تم فصل الجنوب عن الشمال.

إن إلغاء العروبة هدف مركزي للثقافة الغربية المعادية للأمة العربية والمنطلقة من تفتيت الوطن العربي أكثر فأكثر بعد حوالي مئة عام من سايكس بيكو نواجه الآن سايكس بيكو جديدة في مثل هذه الدراسات.

علينا أن نفكر كيف نواجه هذه الأشكال من الدراسات المدعومة والممولة أجنبياً ونعود إلى الجذور بأن الخطر الصهيوني يستهدف الأمة العربية الواحدة وأن نضالنا المركزي هو من أجل التحرير والوحدة وإلغاء التبعية والاستقلال الحقيقي والعدالة الاجتماعية حيث يصبح للأمة مكاناً مرموقاً تحت الشمس.

إن المعاهدات مع العدو الصهيوني من كامب ديفيد إلى أوسلو إلى وادي عربة ثبتت شرعية الكيان الصهيوني الغاصب الذي تتناسب ثقافته مع ثقافة هذه الدراسة. ولذلك فإن تحرير فلسطين يقتلع مثل هذه الدراسة ويعمم ثقافة الوحدة العربية والاستقلال الحقيقي وكل المصطلحات الدخيلة على الأمة والتي تريد شطب هوية الأمة العربية.