الرفيق أبو أحمد فؤاد

عضو المكتب السياسي

للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

04/11/2013

الثوريون لا يموتون أبداً”، هذا ما قاله القائد الفلسطيني الكبير جورج حبش وجعله عنواناً لمذكراته، نعم لأنهم يحيون فينا ومعنا، يذهبون أجساداً، وتبقى أفكارهم، ومواقفهم وتراثهم الفكري والثقافي تتعايش معنا، وتستولد فينا العزيمة والإرادة والوعي الذي يحفزنا للمزيد من التضحية والعطاء.

هذا ما يمكن قوله عن المناضل العربي القومي عبد الرحمن النعيمي، فهو من الثوريين الذين لا يموتون أبداً، لأنه مناضل تروض على عدم الرضوخ أو الانكسار فمنذ أن كان يافعاً، وخطا خطوات الإعجاب بالقائد الخالد جمال عبد الناصر، وسلك درب الهموم والقضايا القومية متجاوزاً نطاقها المحلي والإقليمي، تمسك بقوة العقيدة وتمترس خلف الناس البسطاء الطيبين، لماذا ؟ لأنه كان صادقاً فيما تبناه وفيما بناه.

حينما تتناول أيه زاوية من زوايا حياة المناضل عبد الرحمن النعيمي ستجد أن المسؤولية والعطاء اللامحدود عنوانها الأبرز بكونه قائداً ملهماً يقرأ باستشراف، فيرى كيف يمكن أن تتحول الهزائم، الاحباطات، التراجعات الشعبية والسياسية إلى انتصارات عبر التمسك العميق بإرادة الجماهير الشعبية وتوحيد صفوفها بما يستنهض هممها لمواصلة النضال لتحقيق أحلامها بالمستقبل الأفضل.

إن عبد الرحمن النعيمي من أبرز الشخصيات السياسية الثورية، ليس فقط في البحرين والخليج بل وعلى مستوى الوطن العربي برمته، كتب الكثير وسيكتب أكثر عن المناضل والشخصية القومية البارزة عبد الرحمن النعيمي، إن يكن داخل البحرين والخليج، أو في العالم العربي، لماذا ؟ لأن نضاله وإسهاماته ومواقفه تتخطى حدود البحرين لتشارك في نضالات شعوب ودول مجلس التعاون، والشعوب العربية وفي طليعتها الشعب الفلسطيني كما ارتبط نضاله بالنضال الأممي التقدمي للشعوب في كل المعمورة.

النعيمي رجل بقامة الوطن، رحل وهو يحمل هم الوطن الكبير بتحقيق أحلامه في الديمقراطية، الحرية، الاستقلال الكامل عن هيمنة الغرب الامبريالي، داعياً دوماً إلى وحدة خليجية جادة وحقيقية ووحدة عربية على أسس ديمقراطية، عدالة اجتماعية ومساواة وحرية تعزز كرامة الإنسان العربي كي يحيا بعزة وإباء.

آن لنا أن نذكر بعض مواقفه المبدئية الصادقة في الموضوع الفلسطيني، فعلينا أن نتذكر تسميته الشهيرة في مواجهة فيما يسمى مؤتمر السلام باعتباره مؤتمر تصفية قضية فلسطين مؤكداً أن النظام العالمي الجديد بزعامة أمريكية يتلاعب بالقرارات الدولية ويسعى أن تسود الصهيونية والعدوانية الأمريكية في ظلاله  تحت دواعي السلام المزعوم.

قاوم التطبيع مع الكيان الصهيوني وقد أنشأ في بعض مقالاته، قائلاً : كيف يمكن مواجهة مشاريع التسوية الاستسلامية المطروحة في المنطقة بهذا الجسم المريض من الأنظمة العربية والأوضاع الاقتصادية والسياسية المعتلة، وقد أجاب : بأنه لا يكفي تشكيل لجان مقاومة التطبيع مع إسرائيل وتشديد المقاطعة الشعبية كما جرى ويجري الآن في مصر، كما لا يكفي التحريض الإعلامي وتبيان خطر إسرائيل والنظام الإقليمي الجديد على مصالح الأمة والمنطقة العربية، رغم أهميته، لأن الأمر يحتاج إلى برنامج متكامل للمنطقة في مواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي “الشرق الأوسط الجديد”، ينطلق من مصالح كل شعوب المنطقة للنهوض بها وتحصينها في وجه الغزوة الصهيونية.

النعيمي والذي يعرف التاريخ والجغرافيا والموروث الإنساني والحضاري، ويعرف طاقات الشعوب الجبارة، ربط بشكل خلاق ما بين النضال الوطني التحرري للشعوب العربية وفي طليعتها الشعب الفلسطيني وبين النضال الاجتماعي الديمقراطي السياسي، مؤكداً، أنه عندما يضيق الوطن إلى حدود جزيرة لا تسمح لمواطنيها بالعيش بكرامة يكون فيها حقوق الأمريكان أكثر من حقوق شعبها، فإن النضال ضد هذه لأنظمة هو جزء أساسي للنضال ضد القاعدة الاستيطانية الصهيونية وضد الشرطي الدولي الذي يريد استمرار الحصار، التجويع والتجزئة على الأمة العربية.

حذر النعيمي بالفم الملآن من الدور الأمريكي الهادف إلى تنفيذ اتجاهين متوازيين لإدخال الكيان الصهيوني في النسيج السياسي، الاقتصادي، الأمني، العسكري للمنطقة، وذلك عبر المفاوضات الثنائية لتمزيق وحدة الموقف العربي لدول الطوق، وتجزئة الصراع باعتباره نزاعاً بين إسرائيل من جهة وكل دولة عربية من دول الطوق جهة ثانية، بما يوصل إلى زرع إسرائيل في النظام الشرق أوسطي الذي تنسج خيوطه واشنطن.

وإن واشنطن حريصة على النفط وإسرائيل، تعرف أن سياساتها ترمي إلى إلغاء المقاطعة العربية، وإنهاء الحصار، وتطبيع العلاقات معها، بما يفرض وجودها العنصري لاستيطاني عل مجموع الوطن العربي.

كما أكد أن جوهر السياسة الأمريكية حينذاك، تهدف إلى تشتيت الجهود القومية العربية، وإن أخطر موقف تتخذه حركة التحرر والمناضلين العرب الاكتفاء بالدفاع السلبي فقط، أو التفكير بردود فعل لا تصل إلى المستوى المطلوب بدلاً من تحديد الأهداف بدقة والعمل على تحقيقها بكل الوسائل الممكنة اعتماداً على حركة الجماهير الشعبية التي تطالب حركة التحرر بالمصداقية أولاً وثانياً ودائماً، وربما أكثر ما ينطبق ذلك على حركة التحرر الفلسطينية بحكم انقسامها وتمزيقها وتورطها في مسار تسوية، تفاوض لا تسمن ولا تغني من جوع، كما يحدث هذه الأيام بمبادرة أمريكية.

إن عبد الرحمن النعيمي القائد والمفكر الثوري الذي لا يشق له غبار، إستبصر بشفافية اعتبار أمريكيا وحلفائها الأعداء الأساسيين لأي تقدم، نهضة، أو وحدة الأمة العربية، واعتبر فلسطين وتحريرها ومساندة ثورتها وشعبها من الثوابت المبدئية عند كل ثوري عربي أو حزب أو حركة عربية ثورية، ولذا أطلق تحذيره من المخططات الأمريكية قالاً : لن نسمح للأمريكان سلخنا بعد ذبحنا، إنهم يريدون سلخنا عن انتمائنا للأمة، للأرض، للتاريخ، للتراث لنعيش في أجواء تصنعها لنا فضائية CNN، أو السفراء الأمريكيون التعساء، وقبلهم وبعدهم جنود المارينز الأمريكيون، قائلاً : إنهم يكذبون حين يتحدثون معنا، أو يتحدثون عنا، وعن عاداتنا وتقاليدنا، ثم يخوفوننا من العرب الطامعين، والمسلمين الزاحفين الذين يريدون تخريب ما أنجزه “هؤلاء الحكام” لنا.

يرى النعيمي أن الديمقراطية المسجونة، والجماهير المغيبة شيئان رئيسيان في تردي أوضاع الأوساط الشعبية، وانكفاء دورها في التصدي لمشكلاتها، ومشكلات أوطانها، وقال : (إن القاعدة التي يجب أن يبنى عليها النظام العربي الجديد، هي احترام حقوق الإنسان العربي بالديمقراطية لأنها المعبر لكل برامج النهوض، التقدم، والوحدة خاصة بفشل الجامعة العربية القيام بدورها المناط بها، وفشل مجالس التعاون، واستخدام سياسة استدعاء القوات الأجنبية لحماية الحاكم والأنظمة، أما الثابت الوحيد فهو الإيمان بحق الأمة العربية في الديمقراطية والحقوق السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية، قائلاً : إنها أمة صامدة رغم القهر الخارجي والقهر الداخلي في آن واحد، وأنها أمة تستطيع صنع المعجزات إذا تحققت مطالبها بالحرية، والديمقراطية، والعدالة).

كان النعيمي صريحاً بالقول، أنه لا خلاف له مع الأفراد أو الأسر الحاكمة، إنما هو ضد السياسيات وأنظمة الحكم، والتي ينبغي أن تتحول إلى أنظمة تشاركية ديمقراطية، وأن أساس الدفع بعربة التغيير الوطني والديمقراطي هو تحالف القوى السياسية الديمقراطية، الوطنية، القومية، اليسارية والإسلامية.

وليس من المجازفة القول، إن أوضاع البحرين الراهنة وأوضاع المنطقة العربية والتي تعايش زمناً صعباً بحاجة ماسة لمناضلين شجعان وسط كل تلك التغيرات الكاسحة من أمثال القائد والمناضل والمفكر الثوري القومي عبد الرحمن النعيمي.

مساهماته الفلسطينية :

سعيد سيف أو (عبد الرحمن النعيمي) والذي جعل من حقيبة سفره مكتباً متنقلاً لمتطلبات العمل السري في البحرين وكل دول الخليج، رغم أن أكثر ما كان فيها الكتب والقليل القليل من الحاجات الشخصية، عرف كيف يكون وأين يكون في ساحات النضال القومي والوطني ففلسطين ومقاومتها وثوارها الديمقراطيون والقوميون، كانوا البوصلة لأنه كان يدرك يقيناً من يضيَّع البوصلة يفقد اتجاهات النضال والمقاومة فكان فلسطينياً بقدر ما كان الفلسطينيون عرباً ومقاومين من أجل أهداف الأمة وأحلامها المحققة بالتحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

إن القائد عبد الرحمن النعيمي حينما قرأ مراجعات غورباتشوف المختلفة والتي استخلص منها الانهيار المحتم للاشتراكية في الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية استشعر بحسه الكفاحي المتميز الخطر الداهم القادم على قضية العرب المركزية (قضية فلسطين) وحذر من أثر بروز ملامح النظام العالمي الجديد ومن دور أمريكا وحلفائها كقطب وحيد في النظام الدولي الجديد بما ينطوي عليه الأمر من دور متعاظم للكيان الصهيوني ضمن خارطة الشرق الأوسط الجديد لذلك كتب بأن العدو أمامنا واضح كل الوضوح إنه العدو الرئيسي للأمة العربية وهو الإمبريالية الأمريكية والتي تحفظ (لإسرائيل) بقائها، وجودها، وتسيُّدها في المنطقة كقوة إقليمية نافذة متسلحة حتى أسنانها بكل أسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها السلاح النووي والتي تملك منه حسب كل المصادر ما يزيد عن أربعمائة قنبلة فتاكة.

من هنا شدد دائماً باعتباره فلسطين وتحريرها ومساندة ثورتها وشعبها من الثوابت المبدئية والتي لا حيدة عنها مهما اختلفت الظروف وتبدلت الوقائع والمعطيات في الإقليم والعالم.

إن القائد الحقيقي أو الثائر الحقيقي لا يتميز بحس ونبض الحالة الشعبية والنضالية فقط بل بشمولية الرؤية القائمة على قاعدة عميقة من المعرفة، لذلك فإنه حذر مراراً من بعض التراجعات السياسية عند بعض القيادات الفلسطينية وانجرارهم نحو آفاق التسوية الأمريكية وغيرها من التسويات والتي لم تجلب للشعب الفلسطيني إلا الويل والثبور وعظائم الأمور مما عقد آفاق النضال الوطني التحرري فأوسلو كانت فاجعة سياسية على الشعب الفلسطيني، كبلت قدرته الكفاحية وحرفت بوصلة نضاله في مزالق الدبلوماسية المميتة والتي لم تحقق لقضيته أية نتائج حاسمة لإقامة الدولة المستقلة كاملة السيادة وعودة اللاجئين حسب القرار الدولي (194) الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. رغم كل ذلك يكتب بعضهم بأن الحياة مفاوضات هذه المفاوضات التي لا تمضي إلا نحو الفشل فلم توقف استيطاناً أو تحقق كياناً وسوغت لإسرائيل وأمريكا استمرار لعبة مخادعة العالم بأن هناك مسار سياسي فلسطيني / إسرائيلي.

إذن كما رأى فإن إطلاق العنان للحركة الصهيونية يعني خطراً جدياً يدفع لمزيد من التوسع والاستيطان لتتعاظم أوهام الصهيونية (بإسرائيل الكبرى) وهو يتضمن استفحال الخطر السرطاني الصهيوني.

  • لقد كان يشارك في معظم المناسبات الوطنية والثورية الفلسطينية سواء كان ذلك على صعيد مناسبات منظمة التحرير الفلسطينية أو فصائل اليسار الفلسطيني، وفي كل خطاباته كان يؤكد على الثوابت التي يؤمن بها وبشكل خاص عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني وأن هذا الكيان كيان فاشي عنصري استيطاني يجب إزالته.

  • فلسطين كل فلسطين هي أرض عربية وهي جزء من الوطن العربي، وللفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم المستقلة ذات السيادة على أرضهم، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي طردوا وشردوا منها على يد العصابات الصهيونية والبريطانية.

  • إن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة العربية، وتحريرها مسؤولية الأمة العربية وليس الفلسطينيين وحدهم.

  • عارض اتفاقات كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، وقد كتب ضدها عشرات المقالات.

  • كان ينتقد باستمرار سياسة التنازلات التي أقدمت عليها السلطة الفلسطينية والقيادة المتنفذة في منظمة التحرير الفلسطينية.

  • ساهم بدعم قوى المقاومة الفلسطينية معنوياً وسياسياً ومالياً.

  • رسخ المواقف والسياسات الداعمة والمؤيدة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة لدى أوساط واسعة من أبناء شعبنا العربي في البحرين ومعه رفاقه ورفيقاته في جمعية العمل الوطني الديمقراطي.

  • لقد كان عربياً وفلسطينياً وبحرينياً، وفي نفس الوقت مناضل ثوري يعرفه جزء كبير من أبناء شعبنا الفلسطيني داخل الوطن وفي بلدان الشتات باسم سعيد سيف ـــــــ أبو أمل ـــــــــ أبو خالد وأخيراً عبد الرحمن النعيمي.